في هذا اليوم الثلاثاء وتحديداً الساعة الرابعة صباحاً شعرت بِألم في خاصرتي من الجهة اليمنى، كان الالم خفيف في ذلك الوقت وبوسعي ان احتمله، ثم ذهبت لإداء صلاة الفجر مع جماعة المسلمين، وبمجرد ان سلم الامام عدت إلى البيت وكنت اشعر بالألم يزيد تدريجياً ....

جلست في غرفة الاستقبال لوحدي وقرأت ما تيسر من القرآن حتى شرقت الشمس ثم صليت ركعتين..... 

بعدها فتحت الموبايل والقيت نظرة على العالم وتنقلت من موقع إلى موقع ومن قروب إلى قروب من اصفهان إلى حدود الطائِفِ ....

ثم اغلقت الجوال وانتقلت إلى غرفة النوم وانا اشعر بالألم يزداد في خاصرتي ولكنه لم يصل إلى مرحلة الحدة والشدة، ولهذا تمكنت من الاستغراق في لا وعي النوم بسهولة ويسر ، وماهي إلا نصف ساعة وإذا بالألم يوقظني وكان قد بدأ يشتد ويحتد ويزيد. عندها نزلت من السرير بهدوء حتى لا ازعج زوجتي وعدت مرة أخرى إلى غرفة الاستقبال وأغلقت على نفسي الباب وبدأ الالم يزداد ويزداد ويلهبني بسياطه وانا لا ادري ماذا أفعل ولا كيف اتصرف.... 

كانت عندي صيدلية متواضعة داخل البيت تحتوي على مسكنات ومضادات حيوية ومراهم، وغيرها من الاسعافات الاولية..... 

وكنت قد استخدمت بعد صلاة الفجر نصف حبة عبارة عن ديكلوفيناك وبارسيتامول ومادة مرخية للعضلات في كبسولة واحدة ، ولكنها لم تنجح في مقاومة الالم او تخفيفه ولو بالحد الأدنى....

كان عندي من ضمن المسكنات ترامادول استخدمه عند الضرورة القصوى وفي الحالات الحرجة والطارئة، فتناولت نصف حبة فقط ودهنت خاصرتي بمرهم (ادويفلام) .... 

أعتقدت حينها أن الالم سيختفي أو على الأقل سيخف بعد استخدامي لمادة الترامادول المحرمة دولياً . ولكن العكس هو الذي حصل وبدأ الألم يزداد حتى تجاوز قدرتي على الاحتمال وبدأت اشعر بالغثيان وبدون إرادتي تقيأت وكان هذا بعد تناولي للمسكن القوي بنصف ساعة ....

شعرت بعدها باعياء واستلقيت على الأرض وحاولت ان امارس رياضة الاسترخاء والتنفس العميق ولكن الالم لم يسمح لي بذلك .....

 جربت النوم على بطني، وعلى ظهري ، وعلى جنبي الأيمن ، ثم الأيسر، وجربت وضعية الركوع والسجود لعل وعسى ان يخف الالم ولو قليلاً ولكن لا فائدة ....

كنت اتصرف كالمجنون الذي لا يدري كيف يعمل بحياته فقد كان الألم مبرّحاً مع العلم ان باب غرفة الاستقبال كان مغلقاً فانا لا أحب ان يراني أحد بتلك الوضعية وما أحب انشر غسيلي ولا أحب أن يشاركني أحد آلامي او يتقاسمها معي، فقد تعودت ان اتقاسم افراحي مع من حولي ، واحتفظ باحزاني لنفسي ولا أغرق بها الآخرين ....

بعدها تناولت النصف الباقي من حبة الترامادول بعد ان تقيأت النصف الاول واستلقيت على ظهري وحاولت ان اقسر نفسي على الاسترخاء والتنفس بعمق ، ولكن بدون فائدة......

وبدأ الالم يزداد ثم وجدتني اتقياء للمرة الثانية ولا ادري هل خرجت مادة الترامادول مع الحمم البركانية - ماشاء الله - ام لا ! لكن الألم يزداد وينتشر في ظهري وبطني ......

صبرت ساعة كاملة ولكن لا فائدة كانت نفسي تحدثني بل تستعجلني وتستحثني على تناول حبة ترامادول كاملة عيار 50 ولكن لم يتبق معي سوى ثلاث حبات فقط وإذا نفدت فلن استطيع الحصول عليها مرة أخرى ...

اصبحت في حيرة من أمري والألم لم يمنحي وقتاً للتفكير فتناولت حبة كاملة ، وانتظرت حتى ياتي مفعولها لكنه تأخر.... 

تأخر كثيراً ، مرت ساعتان والالم ما زال شديد حتى فقدت الثقة في مادة الترامادول التي كنت احتفظ بها رغم انتهاء صلاحيتها لمثل هذه الحالات الطارئة.....

عزمت على الذهاب إلى المستشفى بعد العصر، لكن كيف ساحتمل الالم حتى ذلك الوقت ....

 تذكرت الاكستراء الفوار وقلت ساجربها وفعلاً وضعت واحدة في كوب ماء ثم شربتها وبعد حوالي عشرين دقيقة بدأ الالم يخف واستطعت ان آخذ قسطاً من الراحة بعد تسع ساعات من الألم الشديد والمتواصل.... 

وبعد حوالي ثلاث ساعات عاد الألم تدريجياً فتناولت حبة اكسترا انجليزي وبعد حوالي عشرين دقيقة خف الالم . وما أجمل تلك اللحظات التي تعقب الآلام والاوجاع لقد كانت جنة لكنها بدون خلودِ ...

عاد الالم بعد ثلاث ساعات ثم بعد تفكير قررت ان استخدم ديكوفليناك الصوديوم باعتباره مسكن للألم وايضاً مضاد للألتهاب فالحصوات غالباً تسبب التهابات في المسالك البولية فتناولت حبة ديكوفليناك الصوديوم 50 مع حبة اكسترا 500 ودهنت خصري بالمرهم وخف الألم الشديد وبقي الم خفيف لكن المشكلة لم تنتهي بعد، فأنا في حقيقة الأمر -وأعذروني على ما ساقول- قد حملت بحصوة صغيرة بسبب قلة شربي للماء وتربت هذه الحصوة في داخلي واليوم حانت ساعة الولادة ولكنها تعسرت وللأسف الشديد ....

ولست ابالغ عندما اشبه حالتي بحالة الولادة فالالم الذي اشعر به هو نفس الالم الذي يظهر على النساء عند الولادة كما يؤكد الأطباء ومع ان جنيني حصوة صغيرة جداً لكنها لا تخرج الا بشق الأنفس وبمخاض وآلام أسأل الله ان لا تمروا بهذه التجربة ...

ما رايكم في هذه الفوضة في استخدام المسكنات؟ 

انا اعلم انها فوضى ولكنني كنت في حالة طوارئ والألم فوق طاقتي وفوق تحملي مما جعلني اتصرف على هذا النحو... 

بالنسبة للمستشفى انا اعلم مسبقاً انه سيعمل لي اشعة وفحص بول ثم سيقرر ان هناك حصوة في الحالب او في المثانة وسيكتب لي سيستون وفوار ومسكن خفيف وسينصحني بان اشتريها من الصيدلية التي على يمين المستشفى وسينصحني بالأكثار من شرب الماء .....

لقد حفظنا هذه الوصفة عن ظهر قلب وجربناها وفي الأخير اكتشفنا ان الحصوة ستخرج وسيخرج معها الألم سوا استخدمنا السيستون ام لم نستخدمه وسوا اشترينا العلاج من الصيدلية التي على اليمين او التي على الشمال والطبيب في الأخير همه اجرته سوا نجحت العملية او مات المريض.... 

لقد شعرت في هذا اليوم بتفاهة الحياة وضعف الإنسان.... 

ووالله لو كان معي جبل من الذهب وساوموني عليه مقابل الخلاص من هذا الألم او استمراره سنة واحدة لما ترددت في ذلك ولاخترت زوال الألم على جبل الذهب .....

تذكرت ملايين المرضى في المستشفيات الذين يعانون من امراض مزمنة وآلام مبرحة.... 

تذكرت أهل غزة، 

 تذكرت مرضى السرطان، 

 ثم تجاوزت حدود الزمان والمكان وانتقلت إلى الآخرة وتأملت في الذين في النار ( لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها...... وهم يصطرخون فيها.....

تأمل وستجد أن السعادة موجودة في الدنيا والحزن موجود كذلك والألم أيضاً موجود ، فكيف ننكر العذاب في الآخرة ونحن نراه ونشعر به في الدنيا كما نرى ونشعر باللذة والسعادة؟.....

بدأت اقول في نفسي : لم استطع ان اتحمل الالم في الدنيا ثواني مع علمي انه سحابة صيف وعن قريب ستنقشع بأذن الله فكيف ساحتمله في الآخرة ؟

كيف ساحتمل النار الحامية؟ 

وكيف سأحتمل العذاب الأليم،

والشديد ،

والغليظ،

وفي أبد بلا تناه ( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب ) .....

لفلاسفة يقولون : أن غاية الانسان في هذه الحياة هي الحصول على السعادة وتقليل الألم .....

لكن السعادة بمفهومها الشامل والعميق لا يمكن الحصول عليها في الدنيا مهما كانت ثروتك وقوتك وحظك فهناك الكثير والكثير من المنغصات والمكدّرات والمزعجات والآلام والأوجاع التي تحول بينك وبينها.... 

والألم ايضاً فعلى الرغم من تطور الإنسان في كل المجالات وفي كل جوانب الحياة ولكنه لم يستطع أن يضع حداً للآلام ويمحوها من قاموس حياته .......

لماذا نتألم ؟

ولماذا نحزن؟

 ولماذا نغتم ونهتم ونتعذب؟

 ماهي الحكمة من كل هذا ؟

 وهل نستطيع أن نعيش في هذه الدنيا بدون هذه المنغصات؟

هل نستطيع أن نقطع التواصل بين الدماغ وبين الأعصاب المنتشرة في كل انحاء الجسم والتي تعمل بمثابة جواسيس تنقل للدماغ اي مشكلة تحصل في الجسد ليقوم هو الآخر بتحويل المشكلة إلى ألم تختلف شدته وحدته من مشكلة إلى أخرى ؟ .... 

هل نستطيع التعديل في الدماغ بحيث إذا حصلت مشكلة يحولها إلى لذة بدل الالم ،وإلى سعادة بدل الحزن ،وإلى راحة بدل التعب ؟..... 

السنا في عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي ؟

الم نصعد إلى السماء ،

وغصنا في اعماق الماء،

وكبرنا بالميكرسكوب الهباء ،

واضأنا الليل بالكهرباء .....

الا نستطيع ايضاً العثور على السعادة وتقليل الألم؟ 

عندما نسرح في عالم الخيال وننتقل إلى الجنة نسمع المنادي ينادي فيها : يا أهل الجنة إن لكم ان تصحوا فلا تمرضوا ابدا، وان لكم ان تسعدوا فلا تبتئسوا ابدا ،وإن لكم ان تشبوا فلا تهرموا ابدا، وإن لكم ان تحيوا فلا تموتوا ابدا.... 

هذه هي الحياة الحقيقية، وهذه هي السعادة، وهذا هو الفوز العظيم... 

لمثل هذا فليعمل العاملون.

اللهم اهدنا فيمن هديت وتولنا فيمن توليت وعافنا فيمن عافيت وبارك لنا فيما اعطيت 

اللهم اشفني وأشف جميع مرضى المسلمين 

اللهم اعنا على ان نكون من الصالحين ليس وقت المرض فقط بل في كل وقت وحين يا رب العالمين.