في اليوم الثاني من ابريل ٢٠١٨ استيقظت من نومي على خبر ثقيل.. نقله لي شخص غير مهتم بعالم الأدب والكتابة.. قال لي بالعامية المصرية:

-الكاتب اللي بتحبه مات!

كنت أستجمع شتات نفسي بعد نوم طويل فسألت:

-أنا أحب الكثير من الكتاب.. أي منهم مات؟

جائني الرد:

-هذا الذي تعشقه بجنون وقابلته كثيراً

للأسف الشديد.. عرف قلبي لحظتها أن من توفى هو الدكتور أحمد خالد توفيق.. لكن عقلي ظل رافضاً للتصديق..حتى عندما سمعت الخبر مؤكداً من أصدقائنا المشتركين. وحتى عندما طعنتني المواقع الاخبارية بسيرة (الراحل) وأشهر أعماله الأدبية..

لم تكن علاقتي بالدكتور أحمد خالد توفيق علاقة عادية بين قارىء وكاتب. وحتى عندما دارت عجلة الزمن وصرت أعمل في نفس المهنة وتلاقينا ككتاب في نفس المؤسسة، كانت علاقتي بأحمد خالد توفيق دائما كعلاقة الأب والابن.. الشقيق الأكبر والأصغر.. وفي حقيقة الأمر لم يكن هذا أمراً خاصاً، فقد علمت فيما بعد أن الرجل يترك هذا الانطباع عند كل من يقابله. أنه فرد من الأسرة.. وليس مجرد قارىء أو مُعجب.

كُتب على هذا الجيل أن يخسر أدباؤه ومثقفيه سريعاً سريعاً. وفشلنا نحن في احتلال صفوف من رحلوا، فأصبح في المشهد الأدبي المصري ثقوب عديدة لا تجد من يداريها. لكن رحيل أحمد خالد توفيق يترك ثقبه في القلب لا العقل. هذا رجل تحلو مشاركته تفاصيل الحياه، وتجاذب أطراف الحديث بصحبة أكواب الشاي الساخن. أن نسمع رأيه في الحياة والأحداث السياسية والاجتماعية والدولية. مصحوبا باقتباسات من أقوال كبار الكُتاب في الشرق والغرب. لقد كان له - رحمة الله- ذاكرة حديدية وقدرة غير تقليدية على التأسيس لافكاره ودعمها بمعلومات وقراءات غزيرة. ثم يقدم لك كل هذا دون (فذلكة) أو غرور.

كل من تعامل بشكل شخصي مع احمد خالد توفيق لديه قصة لا ينساها، عن تواضع هذا الرجل ورقيه.. أذكر أنني حضرت له ندوة في أحد القاعات، وتعرضت فتاة للاغماء فاستعنا به.. لم يدخر جهداً في محاولة انعاشها، ولم يتركها الا وقد اطمأن أنها أصبحت بخير.. تحكي الفتاة كيف ظل يطمئن عليها أياما معدودة بعد الواقعة.

عندما كنا نتلمس خطواتنا الأولى في عالم الصحافة، كان اسم احمد خالد توفيق هو المنقذ لكل من يريد صناعة اسم في هذه المهنة. حيث لا يرفض أبدا اجراء حوار مع أحد، أما صغار الكتاب فيمكنهم دوما أن يطلبوا منه كتابة مقدمة لكتبهم، حتى أن بعضهم استغل هذا الأمر للترويج لكتب عديمة القيمة، حتى قرر الرجل التوقف عن هذه العادة حتى لا يساء استغلالها.

أما من أسعده الحظ بالزواج أثناء حياة أحمد خالد توفيق، فلديه بالتأكيد صورة في قاعة العرس، أو في المسجد حيث تقام مراسم عقد القران، وهو يقف مبتسما محتضنا احمد خالد توفيق الذي مهما بدا عليه الارهاق أو التعب جراء موجة باردة تحيل الطقس بردا، أو حارة تحيل الجو جحيما، لكنه يصر على حضور المناسبات الاجتماعية لقراءة ويشاركهم اياها. حتى أنه كان شاهدا رسميا على العديد من الزيجات كنوع من المجاملة.

كان هذا في زمن تحول فيه أقزام الكُتاب لمشاهير ينهشهم الغرور بفضل جمهور زائف على السوشيال ميديا. وتناطح فيه عديمي الموهبة على أبواب المطابع يطبعون أعمالهم بنقودهم، ويحشدون الجماهير المنساقة ورائهم عبر اعلانات فيس بوك، حتى أصبحت الكتابة مهنة من لا مهنة له. وحرفة من لا حرفة له. وظل أحمد خالد توفيق كما هو برونقه المعتاد. بجمهوره الحافل الذي لم يفكر يوما في النصب عليهم، لا بمنافقتهم وكتابة ما يريدون قراءته، ولا حتى بكتابة أعمال ضعيفة أو منسوخة.

حتى عندما دخل احمد خالد توفيق معترك الكتابة السياسية، وما أدراك ما جحيم الكتابة السياسية في مصر بعد ثورة ٢٥ يناير. حيث قرر البعض اعتزال الكتابة السياسية تماما، بينما وقع أخرين في براثن النفاق أو التحمس المجنون لأفكارهم وكأنها كتب مقدسة... بقى أحمد خالد توفيق قادر على التعبير عن أفكاره هو، دون خوف من لوم أحد، ودون أن يضطر لمنافقة الجمهور وكتابة ما يحلو لهم سماعه.

هذا جزء من تجربتي الانسانية مع أحمد خالد توفيق. أتفهم تماما عدم حب البعض لكتاباته. ورؤيتهم أنه كاتب محدود الموهبة أو الثقافة - أختلف معهم لكن أتفهم وجهة نظرهم- أما هؤلاء الذين طالت أقلامهم الرجل بعد رحيلة، وتجرأوا عليه كانسان لا ككاتب. أقول لهم اتقوا يوما ترجعون فيه الى الله...

فقد المجتمع الأدبي المصري أحمد خالد توفيق يوم ٢ ابريل ٢٠١٨. وفقدت أنا أبي الروحي، بوصلتي الأنسانية، وواحد من أجمل وأذكى وأعلم من تعاملت معهم في حياتي. تاركاً مكانة، لن يملؤها أحد...

لا تنسوه من دعائكم في هذه الأيام المباركة