كمدير محتمل ، كيف ستهييء موظفيك لإدراة العمل أثناء فترة غيابك؟

فكرة الغياب ستكون كارثية لو كان العمل يسير بنظام التوجيهات الفورية، أي أنه لا توجد خطة عمل ومهام موزعة على مدى فترة زمنية طويلة، وهنا لو غاب المدير يتوقف العمل لأنه ما من أحد لديه حق التصرف.

تصبح الفكرة ممكنة وليس لها عواقب أو أضرار لو كانت المجموعة تعمل بخطة عمل وتتابع المدير على فترات بعيدة وهنا غيابه لن يؤثر.

وهناك حل آخر وهو التفويض سواء تقسيم الفريق لمجموعات وتفويض مسؤول عن كل مجموعة أو تفويض مسؤول يتولى الإدارة لحين رجوع المسؤول الرئيسي

في رأيي المدير الناجح لا يُقاس بوجوده فقط، بل بقدرته على إعداد فريق يعمل بكفاءة في غيابه. فكما يقود قائد الأوركسترا العازفين ليتقنوا أدوارهم حتى دون إشراف مباشر، يجب أن يهيئ المدير بيئة عمل قائمة على وضوح الأدوار، وتوزيع المسؤوليات، والثقة. القيادة الحقيقية تُبنى على تمكين الفريق، لا الاعتماد على حضوره الدائم

في رأيي ذلك لا يتوقف على المدير فقط، على مدى عملي في أكثر من مكان، كان غياب المدير لا يمثل مشكلة مع الموظفين الأكفاء، فقد كانوا يعملون بالأمانة كأن المدير موجود، لكن سبق ذلك توزيع واضح للأدوار ودورة العمل، فمواعيد حضور كل موظف معروفة، وكذلك مهامه معروفة، ووجود أفراد أصحاب خبرة وأقدمية بالفريق كان يحل أي مشكلة مهنية داخل العمل.

لكن بعض الأدوار الخاصة بالمدير كمنح الإجازات وتنسيق غياب الموظفين كان يتم حلها عن طريق مدير أكبر في سلسلة الإدارة.

في الكثير من بيئات العمل، يشعر المدير أنه لا يستطيع ترك مكانه ولو ليوم واحد، ليس لضعف الفريق، بل لانعدام الثقة بينه وبين الموظفين.فالمدير قد يرى أن الفريق غير قادر على تحمل المسئولية في وقت غيابه لكن السبب أنه لم يمنحهم فرصة لإثبات جدارتهم من قبل؟

أحيانًا يكون المدير هو السبب في ترسيخ التبعية حيث يخشى التفويض، ويرى أن دوره يتمحور حول السيطرة لا التمكين.

فلماذا لا تكون فترات غياب المدير فرصة لتعزيز روح القيادة لدى الموظفين بدلًا من اعتبارها أزمة تهدد سير العمل؟

طرحك يسلط الضوء على نقطة مهمة فعلاً: غياب المدير المفاجئ أو المؤقت، وتأثيره على سير العمل. لكن يبدو أن التركيز الأكبر هنا على (غياب المدير) كخلل، بينما الأصل في بيئات العمل الناجحة أن تكون (القيادة موزعة) لا مركزية.

اعتقد ان السؤال الحقيقي ربما ليس: كيف نُعد الفريق لغياب المدير؟ بل: لماذا لا نُؤسس منذ البداية فرقاً قادرة على اتخاذ القرار والتصرف بثقة دون انتظار التوجيه الدائم؟

اولا حسن التدريب وفي مراحل التدريب لابد من جعل الموظف يحل المشاكل بنفسه حتى لو طال الزمن. ثم تقييم حله في النهاية

ثانياً انشاء خطة عمل واضحة يكون الموظفون هم اساس صنعها! (بتوجيهات منك او تعليقات منك كمدير) وهنا ساضرب مثال عن فائدة هذا الامر، في الجامعة كان كل مشروع لابد من تقديمه امام الدكتور في نهاية الفصل الدراسي! حيث كل مجموعة طلاب مكونة من 2-4 يشتركون في مشروع واحد وتكون مسؤولية كل واحد تقديم العرض بجزئية خاصة به! الاحظ ان اي طالب لم يبذل مجهود في المشروع يتلعثم في تقديم العرض! وتظهر نبرة شخصية منهارة اثناء ذلك امام الدكتور او الطلاب! بينما الطالب الذي بذل جهداً في المشروع يتحدث بسلاسة، وبدون ان ينظر للبوربوينت حتى بل يبتكر الكلام مختلف عن ما كتبه في صفحات البويربوينت.

نفس الامر ينطبق لو قمنا بتصميم خطة عمل يكون الموظفين هم المشاركين والمصممين لها! فان عملهم سيكون سلس سواء غاب احدهم او غاب المدير فهم من رسموا الخطة واتفقوا عليها اساساً كل ما قدمته انت بعض التوجيهات والنصائح و"الاقتراحات" والتعليقات لا اكثر!

أري أن من المهم أن يكون الموظفون جاهزين للتعامل مع أي طارئ بكفاءة وثقة. لضمان سير العمل بسلاسة في غياب المدير، يجب تدريب الموظفين على المهام واتخاذ القرارات المستقلة، مع توضيح المسؤوليات والصلاحيات بشكل واضح. كما يجب وضع خطط للطوارئ وتوجيه الموظفين للتصرف في حالات الطوارئ. من المهم أيضًا توفير آلية تواصل مرنة لضمان متابعة العمل، وتشجيع الموظفين على اتخاذ المبادرة والاستفادة من خبراتهم. هذه الإجراءات تضمن استمرارية العمل بسلاسة وتحافظ على الثقة والتمكين لدى الموظفين.

لكننا في عالم الأعمال لا نعتمد على الأفراد بقدر ما نعتمد على الأنظمة، وهنا تبرز أهمية وجود السياسات والإجراءات وشيء أكثر دقة وفاعلية يُعرف بـ SOP – إجراءات التشغيل القياسية.

المدير قد يغيب، لأي سبب كان: ظرف صحي، سفر، انشغال، أو حتى رغبة في قضاء وقت مع العائلة. والسؤال الأهم: هل سيتوقف العمل في غيابه؟

هنا يظهر الفارق الجوهري بين العمل المعتمد على الأشخاص، والعمل المبني على أنظمة واضحة. الموظف لا ينبغي أن يكون في حالة قلق دائم، يتساءل: "ماذا أفعل إن واجهت مشكلة؟" بل يجب أن تكون أمامه خريطة طريق واضحة، مكتوبة ومجربة، توضح له كيف يتصرف؟ ومتى؟ ومع من؟

ومن هنا، كمدير أو صاحب مشروع، فإن مسؤوليتك لا تقتصر على التوجيه اليومي، بل تمتد إلى بناء نظام يضمن استمرارية العمل في غيابك، بنفس الكفاءة والجودة. وهذا ما يجعل المؤسسات الناجحة لا تتوقف، لأن القائد الذكي لا يدير فقط… بل يُهيكل ويفوّض ويبني نظامًا يقوده الجميع بثقة.