أعلم أن ما سأكتبه قد يُرفض قبل قراءته، لكني سأبوح به لأتخلص منه.
مفهوم النقاش، من وجهة نظري، هو وسيلة للتعلم، وهدفه تبادل وجهات النظر واستعراض المعلومات وشرحها بطرق متنوعة، إذ إنه أسلوب فعال لربط الأفكار ببعضها، مما يعزز المعرفة والقدرة على الإبداع، وهذا هو النقاش الذي أعرفه: نوع من المقايضة المعرفية بهدف التعلم.
أما مبارزات وجهات النظر التي يقحمني فيها البعض من وقت لآخر، فلا أراها إلا معارك مستترة بثوب الحوار، غرضها الأساسي كسر شوكة الخصم أو تهميش وجهة نظره، ودائمًا ما أجد نفسي فيها أدافع عن أفكاري دون مبرر واضح.
لقد بدأت هذه "المعارك الفكرية" تستنزف صحتي النفسية وقوة تحمّلي، وتختبر صبري إلى أقصى حد، ولو لم أكن صبورًا لهذه الدرجة، لضربت من يحاورني ضربًا مبرحًا، ليس كرهًا فيه، بل لأنه لا يفكر فيما أقول، ولا يحلل كلامي، ولا يسأل عن قصدي إن لم يتضح له، بل إنه بدلًا من ذلك يرد بتلقائية وبكم هائل من المغالطات العلمية والمنطقية، لدرجة تشل عقلي عن تحديد ما يجب أن أرد عليه وما يجب أن أتجاهله.
هذا النوع من الصراع الفكري يستنزف طاقتي إلى أقصى درجة، ويشعرني كأني أتحدث مع مصاص دماء يشفط طاقة روحي مع كل كلمة، ويحدث ذلك من خلال أسلوب "الإغراق الفكري"، عبر طرح مجموعة كبيرة من الأفكار المتنازع عليها بين الطرفين، بكثافة شديدة وفي وقت قصير، لا يدع مجالًا للطرف المدافع لكي يحلل ويرد، وهذا يظهره وكأنه عاجز عن الرد لأنه في موقف ضعيف، والحق أنه لم يأخذ فرصته للتفكير أصلًا، ولم يدرك أنه في مبارزة فكرية من الأساس.
كنت أناقش أحد أصدقائي عندما واجهت هذا الأسلوب في الحوار، وعندما اعترضت، قال إنه يطرح عليّ أفكارًا يسمعها من الآخرين، ويبحث لها عن رد، فيسألني نفس أسئلتهم على لسانه.
تخيل معي أني أحادث صديقي في حوار ودي، ثم أجد نفسي أناقش عشرة عقول دفعة واحدة دون أن أدري! هل هذا عدل؟
كما أنني أواجه كثيرًا مشكلة عدم احترام التخصص، بل وإجباري على الكلام والنقاش بشروط الطرف الثاني الذي جاء ليسألني أصلًا.
على سبيل المثال: أنا متخصص في الشريعة الإسلامية، وكل كلامي مستمد من كتاب الله وسنة النبي وعلوم الدين، لكني أجد السائل يقول لي: "لا أريد أن نناقش بالقرآن"، وإذا دخلت في علم الحديث، رفض قائلًا: "ما أدراك أنه حديث حقًا؟"، وإذا تحدثت بالفقه، قال: "هذه اجتهادات"، إذاً بماذا أتكلم أنا ولماذا تسألني؟!
النقاش له أصول، ومن أصوله أن نتفق على مرجع نعود إليه عند الاختلاف، فإذا رفض الطرف المقابل هذا المرجع، فنحن لا نتحاور، بل هو يريد إثبات ما في رأسه بأي ثمن فقط، وبدون حجة واضحة.
لذا، من الأسلم ألا أخوض في هذا النقاش من الأساس، حتى لو اتُهمت بالجبن وبأنني أخشى الاختلاف، فلا بأس، سأشتري راحة عقلي وأحفظ لساني لمن يبحث عن جواب حقيقي.
التعليقات