يزداد تجبر الظالم كلما لاحظ سكوت من حوله على أفعاله، فإذا حاول المظلوم الدفاع عن نفسه يجد من هؤلاء الصامتين من ينهره.

عندما كنت في الصفوف الابتدائية، كان زميلي يذيقني يومياً ألوان التنمر والأذى، إلى أن جاء يوم توعدني بكسر ذراعي في الفسحة، خفت كثيراً من وعيده، ومع استحالة الهروب منه، قررت مواجهته، وبالفعل مكنني الله منه، وكنت اطرحه أرضا في كل مرة يقترب فيها مني، فلما اشتدت عليه الإهانة ولاحظ دفاع الجميع عني، قال لي بكل ثقة: أنا اضربك كل يوم فما الذي تغير.

وكأن سكوت الضحية ورغبتها في حل سلمي، يفهمه الظالم على أنه موافقة على الظلم واستسلام له.

ولكن كان من الطبيعي أن أسمع تلك الجملة من متنمر، أما أن أسمع اليوم من بعض الناس من يلوم على المقاومة الفلسطينية أنها تقاوم الاحتلال، بذريعة أن الإحتلال سوف يرد ويقصف أهالي غزة، فهذا ما لا أجد ما يبرره على الاطلاق، والسؤال الذي يدور في الذهن الآن، إذا كان من غير المقبول أن يلوم العدو خصمه على المقاومة، فكيف يكون ذلك من الحليف؟!

حقيقةً عندما أفكر ملياً في هذا الأمر، أجد بأن هذه الثقافة الإنهزامية التي تعين الظالم وتكبح المظلوم، أنها نابعة من مخافة تحمل تكلفة المعونة، فويكأن الحليف لا يريد الدخول في صراعات بسبب حليفه، فيقول له بشكل غير مباشر: مت في سبات، لا تسمعنا صوتك ولا تقاوم، لكيلا تحمل ضمائرنا ألم تجاهل معاناتك، وتركك تموت دون أي حراك.

هذا ما يظنه هؤلاء الذين يسمون أنفسهم حلفاء، وهم من هذه الصفة براء، بل إنهم أشد على حلفائهم من أعدائهم، هل حقاً يظنون أنهم إن تركوا الضحية تموت، بأنهم سوف يأمنون شر الظالم، ويضمنون عدم تعرضهم لما حصل مع حليفهم المسكين، لكن الأيام دول، والأمة التي يتخلى بعضها عن بعض، سيتشتت شملها في يوم من الأيام، ولن تعود لها قوتها التي كانت عليها، وسوف يجير عليها الظالم كا جار على أختها، وحينها لن تجد من ينقذها من الهلاك المحتوم.