هل سبق وتأملتم جملة "كان فكره سابقا لعصره".. ولماذا يشيع استخدامها بكل المجالات الفكرية تقريبا، أدب، فلسفة، فن، بحث علمي،..؟!!

فتحديدا عند قراءة سِيَر المفكرين، كثيرا ما ألحظ وجودها، وهي تعبر بإختصار عما يمكن تسميته " دورة حياة المبدع" إن صح التعبير..

فمعظم المبدعون يمرون بعدة مراحل تكون كالتالي: [ التجاهل، المعارضة، المحاربة، الموت، الاستيعاب، الإعتراف بالنبوغ] !!

فللأسف جرت العادة بين البشر، أن غالبية المبدعين يتم الإستهزاء بأفكارهم، وعزلهم إجتماعيا أثناء حياتهم.. وبعد موتهم، يتم الإحتفاء بتلك الأفكار، والإعتراف بقدرات أصحابها الإبداعية الإستثنائية!!

وكم من مبدع تعرض للملاحقة الاجتماعية والقانونية، بل وتعرضت حياته للخطر بسبب أفكاره؟!

فمثلا، نجد سقراط، وشيشرون، وتوماس مور، قد دفعوا حيواتهم ثمنا لإنتاجاتهم الفكرية، ليس إلا!!

وفي التاريخ الإسلامي أمثلة لا حصر لها، لمن وُصِموا بالزندقة والإلحاد، وتم النكيل بهم، كالفارابي، وابن رشد، وابن سينا، وابن الهيثم، وصولا لعبد الرحمن الكواكبي، وطه حسين، ومحمد عبده، وعبد الرحمن بدوي، وغيرهم!

أما في العصر الحديث، أذكر محاولة الاغتيال المروعة، التي تعرض لها نجيب محفوظ؛ عقب إصدار روايته "أولاد حارتنا" !!

وما يثير الدهشة هنا، أن معظم المفكرين السابق ذكرهم، قد تم تكريمهم بعد موتهم، وتم الاحتفاء بأعمالهم بشكل رسمي وشعبي، حتى وإن اختلفنا مع بعض أفكارهم؛ فذلك لا يمحي إجتهادهم وإبداعهم!!

وخير مثال على ما يعانيه المبدعون والمجددون بحياتهم، ما تعرض له جاليليو، من إضطهاد كَنَسي شديد، إنتهى بمحاكمته بتهمة دعم نظرية مركزية الشمس!!..

وبقي معاقَبا منبوذا إلى أن مات عام 1642م.. وبعدها بقرون نجد الكنيسة تتقدم بإعتذار رسمي لجاليليو في العام 1983م لما بدر منها في حقه!!

برأيكم، لماذا يميل البعض لتفخيم الماضي، على حساب الحاضر؟! وما سبب العداء المجتمعي المزمن للأفكار الجديدة؟ شاركونا أبرز شخصية لم تلقى ما تستحقه من تقدير، سوى بعد مماتها، من وجهة نظركم.