مع شعورنا بدنو الموت تزداد الحياة قيمة في نظرنا، ندرك الحقيقة، ندرك أن الموت قد يأتي بغتة قبل أن نعيش، أو ونحن على أهبة الإستعداد منذ زمن طويل في انتظار اللحظات المواتية لنعيش..تلك اللحظات التي يطول انتظارنا لها وغالباً لا تأتي أبداً، فنقضي الحياة بؤساء منتظرين، إن الظروف المواتية لا تأتي لأن الحياة ببساطة سلسلة من المتعرجات المتتالية، ضرب من الخبل أن نظن أنها ستستقيم لنا حتى نعبرها بخفة الأطفال، إذا ما استوجب علينا أخذ شئٍ من الأطفال في تعاملنا مع الحياة فلا بد أن يكون "العناد" لا "السذاجة"، لنعيش اللحظات السيئة ونحن نسعى إلى اغتنامها لا منتظرين لمُضيِّها، لأنه وببساطة لا مفر من الوجع..ولا مفر من الخيبات.

ليس شرطاً أن يكون هذا الإدراك في المنعطف الأخير من العمر حيث تدرك الكثير من الحقائق وتضح رؤيتك للعديد من الأمور، بل ربما يحدث بسبب حادثٍ واحد يتسبب في تغيير طريقة تفكيرك وطريقة عيشك أيضْاً..ويحدث تغييرات جذرية في فلسفتك الحياتية.

تحضرني قصة ديستويفسكي حين صدر العفو عنه من الإعدام في اللحظات الأخيرة، حيث كتب إلى أخيه رسالة يقول فيها :

"‏حين انظر إلى الماضي، إلى السنوات التي أضعتها عبثاً وخطأ، ينزف قلبي ألماً، الحياة هبة.. كل دقيقة فيها يمكن أن تكون حياة أبدية مِن السعادة! فقط لو يعرف الأحياء هذا، الآن ستتغيّر حياتي، الآن سأبدأ من جديد. "

وهذا ديستويفسكي!..أديب البؤساء والمهمشين، وخير من غاص في آبار النفس البشرية.

قد يكون هناك أوقات من الصعب فيها أن نكون سعداء، لا شك أبداً في وجود تلك الأوقات، ولكن وبالرغم من ذلك فإنه بإمكاننا التحكم في حدة تلك الأوقات وتأثيرها علينا، من خلال قناعتنا تجاهها وإدراكها بطريقة صحيحة، وتبقى إحدى أوجه السعادة وأهمها، هي معرفتنا لحقيقة الحياة وقناعتنا أنها هبةٌ بكل دقيقة فيها، وإدارتها هي مسئولية ملقاة على عاتقك، فانتظار الظروف المواتية لتعيش بسعادة ما هو إلا تواكل وتناسياً لحقيقة..( أن صنع الظروف المواتية هي مسئوليتك).

والآن عزيزي القارئ لدي سؤال: لماذا لا نشعر بقيمة الحياة إلا حينما نشعر أنها تسلب منا؟ وهل من الممكن أن يتغير الإنسان كليا بسبب موقف واحد ؟