كثيرٌ مناَ في هذا الزمان يعاني من البطالة و لم يستطع إيجاد عمل ينفعه رغم أنَّ الأغلبية بشهادات جامعية أو تكوينية، رغم أنَّ معظمنا أصحاب حرف، صحيح أن البطالة مشكلة في رأسي لكنها ليست من المشاكل العويصة هي مجرد عقبة في طريق الشخص فقط، هل البطالة في رأيك تنجم عن عدم توفر مناصب للعمل؟ هل البطالة سببها قلة المال؟ لا هذه و لا تلك عزيزي يا من تقرأ هذه الفقرات و الجمل، أنا أظن أن البطالة سببها نحن و تكمن في عقولنا، أعلم جيداً أنَّ هذا الكلام سيجعلك تكرهني خاصة إذا كنت بلا عمل الآن لكن من وجهة نظري هذه هي الحقيقة، كلٌ مناَ يقول أنَّ العمل غير موجود و ليس متوفر و حتى أنا كنت أقول ذلك ليس لشيء سوى إقناع نفسي و حتى أنت ستقول ذلك و لو كنت في منصب معين و لديك راتب محترم ستقول أن هناك البطالة في منطقتك و بأشكالٍ هائلة سأقول أمراً عليك أن تفهمه جيِداً، التقيت بأحد أصدقاء الدراسة صدفة كنتُ على علمٍ بأنه يعمل بشهادته الجامعية سألته عن أحواله فقال: أنا دون عمل فاستغربت لذلك و قلت له: هل طُرِدْتَ من عملك؟ قال: كلا أنا من استقلت، قلت له: لماذا؟ قال لي: مدير الشركة عرض عليَ راتباً بسيطاً مدة معينة لأجل كسب الخبرة أولاً ثم بعدهاَ يقوم بمنحي ما أستحقه من منصب و راتب لكنني لم أوافق على كلامه و طلبت راتباً جيداً منذ البداية فرفض ذلك و أنا نادم اليوم و لا أستطيع العودة إليه مجدداً حفاظاً على كبريائي، المغزى هنا أنَّ هذا الرفيق هو من قاد نفسه للبطالة بمفهوم آخر ، إذا جاءك شخص ما يريد طلب يد ابنتك أو أختك للزواج هل توافق على الفور؟ إذا أجبت بنعم مباشرة فأنت غير واع لكن إذا كنت عاقلاً ستقول: لا بأس امنحني بعضاً من الوقت كي أستشير الأخت أو البنت ثم تقوم بالاستشارة و السؤال كذلك على هذا الشخص في حيِّه عن أخلاقه و أهله، أليس كذلك على العموم؟

هذا بالضبط ما فعله مدير الشركة مع رفيقي ، الأمر لا يختلف كثيراً صحيح أنَّ الأجر الذي عرضه عليه قليل جداً لكنه مؤقت حتى يرى خبراته و إمكاناته و ما هو مستواه في هذا العمل ثم يعطيه ما يستحق.

الكثير منّا ليس القليل يصرون على العمل بشهاداتهم الجامعية أي تخصصهم فقط و هذا تصرف خاطئ، فماذا لو كنا نستطيع معرفة المستقبل و رأيت نفسك لن تعمل بشهادتك فهل ستبقى مصراً على ذلك؟ أنا لا أظن ذلك طبعاً، أنا أقول اقصد شركة معينة و أطلب عملاً واعرض سيرتك الذاتية، شهاداتك و خبراتك و اسمع الرد من المدير أولاً هل يتوفر المنصب الذي تبحث أنت عليه؟ إذا كان نعم، لقد تحصلت على ما تريده و إذا كان العكس و قال : أنه لا توجد أماكن شاغرة حسب شهادتك بادر أنت للسؤال و لا تدعه يسألك هو لأن الحكمة هنا قل له : هل هناك مناصب شاغرة في ميادين أخرى و أستطيع العمل عندكم فيها بشهادتي هذه؟ ربما يكون اختباراً قد نجحت فيه و إنْ لم يكن كذلك ربما يستطيع توفير منصب آخر بسبب إصرارك وحماسك حتى يخلو أو يتوفر ما تريده أنت.

أنا حالياً لا أعمل بشهادتي أو بالتخصص الذي درسته بل في مجال آخر، نحن شركة لإنتاج مواد البناء و بيعها و قد تعرضت لموقف مشابه لهذا عندما كنت أبحث عن عمل، عندما توجهت لأعرض خبراتي قال لي رب عملي الآن: ماذا تستطيع أنْ تعمل ؟ سأَلْتُ نفسي إنَّ سيرتي الذاتية أمامه ما هذاَ السؤال الأحمق؟ لكن سرعان ما استدركت الموقف و تيقنت أنَّ في سؤاله خدعة تكون اختباراً لي فقلت له: أنا أعمل كل شيء سيدي لأنني أحتاج عملاً حقيقة فقال لي ضاحكاً: كل شيء كل شيء؟ فقلت: نعم سيدي أنا عبقري أظن أني ولدت لأكون هكذا، و أريد أنْ أقول شيئاً لمن يقرأ ما كتبته قبل أن أكمل الحديث عن قصتي مع رب عملي الآن لا تحتقر نفسك أمام أي شخص حتى و لو كان صاحب نفوذ و ذا منصب عالي، كن عظيمًا لنفسك دائماً، بعد أن ذكرت أمام رب عملي الآن أنني عبقري قال لي: حسناً ستكون 

المكلف بالإنتاج في مصنعناَ لكن الاختبار لم ينته بعد لأنه طرح عليَ سؤالاً آخر حيث قال: نحن لن نستقر في هذه المدينة طويلاً بل سنحول هذه الشركة إلى الصحراء ما رأيك؟ هل يناسبك هذا؟ فقلت له ما تراه سيدي أنا لا أملك مشكلة في التنقل معكم فأنا عامل لديكم منذ اليوم، هنا ابتسم و هز برأسه و ظن أنه انتصر عَلَيَ حتماً لكنني أنا من انتصرت في الحقيقة، هل تعلم لماذا؟ لأنني ربحت منصباً للعمل كمكلف بالإنتاج و لا زلت أعمل في منطقتي ففكرة التحول للصحراء لم تنجح لم تكن سوى فكرة صغيرة فقط، ربما أنت لو كنت مكاني لرفضت هذا العمل بسبب التنقل من مدينتك إلى مدينة أخرى لكن أنت تعلم أنَّ هذا لم يحدث في النهاية، كما أنني لم أتكلم معه بخصوص الراتب الشهري أو السنوي بل خرجت من مكتبه و قصدت المصنع الذي سأكون مشرفاً عليه و أخذت أتجول فيه، أنظرُ للآلات و أتفحصُ المنتجات و بدأتُ أفكرُ منذ تلك اللحظة كيف أصبحُ صاحب مصنع و شركة مثل هذه و لا زلت إلى الساعة أعمل لتحقيق ذلك.

إنَّ البطالة لن تقع إذا طورت نفسك و سعيت لتحقيق التغيير على الدوام، كيف ذلك؟

قد تتعرض للبطالة حتى ولو كنت صاحب حرفة و هذا ما وقع بالضبط لجاري، كَلَمَنِي ذات مرة و قال لي: أريد تغيير حرفة الدهان هذه فهي لم تعد ناجحة و أنا بدون عمل منذ قرابة شهر و حتى الأشخاص لم يتصل أحد كي أقوم بتقديم خدماتي لهم ثم سألني ما رأيك بماذا تنصحني؟ وقد كان شاباً مثلي متعطشاً للنجاح و العمل فقلت له: أنت قديم، فقال لي: كيف ذلك؟ قلت له: بإجابة أخرى و عملك أيضاً قديم  لكنه لم يفهم للوهلة الأولى و قال لي: كنت أعلم أن المشكلة في عملي هو قديم حقيقة فاستوقفت كلامه قبل أن يخرج بتفكيره عن ما أقصده، قلت له: العيب فيك يا جاري، أنت من جعلت عملك قديم فالدهان اليوم قد تطور و أصبح بأشكال و زخرفات و ألوان عديدة، أصبح الدهان بدون رائحة و بجودة عالمية و أنت لا زلت تستخدم التقنية القديمة و بأدوات بسيطة، عليك أن تطور من نفسك و من معداتك و تتفحص الإنترنيت و شاهد كل ما هو حديث عن فن الدهان و سترى الفرق.

وهذا ما وقع بالضبط، صحيح أنه قد احتاج بعض المال لإحداث التغيير، و لا بأس أنت أيضاً إن أردت تطوير حرفتك و صنعتك لكنك لا تملك المال أن تقوم بالاقتراض أو تستدين من شخص قريب، المهم أن تنجح في عملك و تقضي على مشاكلك و حتماً ستحدث التغيير و تنجح و ترد ما عليك من ديون.

حتى إنْ كانت البطالة تحاول أنْ تقضي عليك و أنت ذلك الشخص الذي لم يوفق في نيل شهادة أو تعلم حرفة فبادر إلى حرفة اسمها التجارة ولو بأشياء بسيطة كألعاب الأطفال على قارعة الطريق، تنقَلْ إلى الأسواق بسلع بسيطة في محفظتك قُمْ ببيعها و أسعى جاهداً لإقناع الناس بما تبيعه و سترى الفرق ستصبح تلك المحفظة عربة ثم محلاً ثم بعد مدة محلات و أكثر، المهم أن تجعل من نفسك إنساناً عاملاً.

لا تجعل من معنى البطالة يكون معوقاً في حياتك، حاول أنْ تقضي عليها بكل الطرق حتى و لو بمشروع في البيت كإعداد العجائن من خبز و رغيف و بيعها للمحلات، المهم أنْ تعثر على نفسك فيما تعمله، فالبطالة ليست سوى عائق في حياتنا يكمن في عقولنا علينا أنْ نتخلص منه بتدبيرناَ.