إننا كبشر نميل لنكون ضمن مجموعة ونميل لفعل الأمور التي تلقى استحسان العموم وبالتالي مباركتهم لها، وبذا نرزح إلى دائرة الراحة بهدوء، ونلبث فيها، ولكن إذا أراد الإنسان أن يتميز أو ينجح نجاحًا ملحوظًا فماذا عليه أن يفعل؟
" ما يكون عاماً لابد أن يكون له قيمة ضئيلة..." هذا ما يقوله فيلسوف المطرقة نيتشه، فإن كل شيء يستطيع الجميع فعله أو اقتناؤه لابد أن يكون أمرًا ليس ذا أهمية حقيقية تذكر، وللجميع القدرة عليه، مثلًا إذا عشت في بلد تتوفر فيها فرص العمل، وعملت في وظيفة حكومية بعد تخريجك دون أي عناء، فأين التميز في ذلك؟
بل يتعدى نيتشه موضوع التميز ليعتقد أن هذا العمل لابد أن يكون رديئًا لأنه متاح للعامة، لكن لو فتحت عملك الخاص بعد تخرجك من الجامعة، فسيكون الأمر فيه تحديًا وتميزًا يحتذى به، ولكن هل نبحث عن التميز والتفرد في العمل فحسب؟
" على المرء أن يتخلص من الذوق الرديء الذي يريد الإتفاق مع الأكثرية"
فالفكر المتميز الذي يفكر باستقلالية لا يقل أهمية عن العمل المتميز المستقل، ونحن هنا لا نروج لمقولة: "خالف تُعرَف" وإنما نحاول الحث على بناء فكر منطقي مستقل، بغض النظر عن آراء العامة، فليس كل ما يُتفق عليه صحيح، بل إن معظمه ليس كذلك، لأننا نميل للانقياد لرأي الأكثرية، ولكن كيف نبني التفرد والتميز الفكري؟
أرى أن التفكير الموضوعي في مختلف القضايا، والنظرة الكاشفة لها تمنحنا القدرة على الحكم، فقضايا الشرف تفتعل بدوافع عاطفية وثقافية، يمكن للرائي أن ينجر لمجتمع يحلل قتل الإناث ويمنح عقوبة مخففة لذلك، ولكن عند استخدام المنطق وتحييد العاطفية، يصبح جليًا للمفكر أن القتل قتل ببساطة، أي جريمة كاملة، مهما كانت دوافعه ومسوغاته، وينشق برأيه وفكره عن القطيع الظان بجواز هذا الأمر.
الأمر الثاني الذي يساعد على التفرد هو كثرة البحث والقراءة، فالكثير من الحقائق موجودة في بطون الكتب لكن الجميع يغفلها، خوفًا من القطيع ذاته الذي زيفها وقام بخلقها، و بالحديث عن الخوف نصل للأمر الثالث وهو الشجاعة في إظهار الرأي الخاص أو المغاير، فكل المتميزين من العلماء والمفكرين وأصحاب الأعمال والمؤثرين، لا يتملقون للقطيع بإظهار ما لا يؤمنون به لكي يلقوا استحسانهم، وكل فكرة جديدة ومتميزة، تكون منبوذة في البداية حتى يزداد عدد حملتها، فينساق القطيع ذاته الذي حاربها في البداية لها، لأنه ينجر وراء رأي الأكثرية مهما كان رديئًا أو جيدًا.
وأنتم يا أصدقائي هل تتفقون مع مقولة: أن ما يكون عاماً لابد أن يكون له قيمة ضئيلة ؟؟
وما الذي يلزمنا لنكون متميزين عن غيرنا ولا تتأثر بالآراء السائدة؟؟
التعليقات