هل سبق لك أن كنت في جلسة نقاشية وتم طرح اقتراح أو قرار ما -لم تروقه- وقررت الاعجاب زورًا به و التوافق مع أفراد الجلسة ثم تتفاجيء بعض ذلك أن من كان من في الجلسة أيضًا مثلك لم يعجبهم هذا الاقتراح ولكن امتنعوا عن الابداء برفضهم!

 هذا ما حدث معي. ف قبل عامين تقريبًا، طرح مسؤول العمل عنا اقتراح حول العمل وطلب رأينا فيه، الأغلبية أن لم يكن الجميع أبدى اعجابه بالاقتراح، ولكن بالنسبة لي لم اشعر بالحماس تجاهه، شعرت بأن مثل هذه الأفكار قد لا تنجح في بيئة العمل. قد يتخيل البعض أنني أبديتي معارضتى، ولكن في الواقع هذا لم يحدث لسبب واحد فقط وهو أن الكل وافق وأبدى اعجابه بالفكرة. فلا أرغب في أن أسير على عكس التيار وأن يكون رأيي شاذ عن الآخرين، لهذا ما كان عليّ إلا أن أشيد بالاقتراح. لكن المفاجأة هنا، عندما علمت أن الكثير من الزملاء أصلًا لم يشعرو بالرضى تجاه الاقتراح. فما كان همهم إلا ارضاء المسؤول وحتى زملاهم الآخرين.

 ما حدث معي يسمى بمفارقة إبيلين التي تحدث حولها عالم الادارة جيري بي هارڤي في مقالته "تناقض أبيلين: إدارة الإتفاق"، وهي مجموعة من الافراد تتفق فيما بينها وبشكل جماعي على رأي أو إجراء معين يناقض ما يفضله بعض أو المجموعة بأكملها. حسب ويكيبيديا.

هارفي أرجع السبب لحدوث هذه الظاهرة إلى ما يسمى بالتخيلات السلبية، حيث يشعر بعض أفراد المجموعة إن كانت آراءهم غير متوافقة مع المجموعة قد يتم اتخاذ موقف سلبي تجاههم. فبالتالي لا مجال للاختلاف مع المجموعة وربما نحن قد نعاني من اضطراب قلق الانفصال Separation anxiety disorder، فخشية من الانفصال قد نتجنب مناقضة رأي الآخرين. وهذا ما ذكرني بنظرية الامتثال الاجتماعي.

مفارقة أبيلين أوجدها جيري بي هارڤي بناء على قصة حدثت في مدينة ابيلين في ولاية تكساس الامريكية، عندما قامت عائلة من مدينة كولمان الامريكية برحلة إلى مدينة ابيلين، اتضح فيما بعد أن جميع من ذهب إلى الرحلة لم تكن لديهم الدافعية نحو الذهاب إلى الرحلة، إنما كانت ظنا منهم أن الجميع يريدون الذهاب إليها. فيبدو أنهم قرروا معًا القيام برحلة لم يرغبوا فيها البتّه.

قفز إلى ذهني تساؤل مهم للتو وهو كيف لنا أن نتخذ قرارات جماعية لا تتعارض مع أراءنا، أفكارنا ومشاعرنا؟ أو بالأحرى كيف لنا أن نتجنب مفارقة إبيلين؟ 

برأيي من باب الأولى ان يتم خلق بيئة أمنة تسمح بحرية الرأي، وهذا يقع على عاتق القائد أو المسؤول أو من يقدم الاقتراح فبدلًا من أن يقول " الكل متفق، أليس كذلك" كان من الأجدر أن يشجعهم على الإدلاء برأيهم وهم يشعرون بالراحة التامة. القائد لابد أن يحجم عن التعبير عن رأيه قبل أن يتعرف على اراء المجموعة. والأهم من كل ذلك، أن يأتي بعد فترة وجيزة لمناقشة القرار الذي تم اتخاذه في وقت سابق مع فريقه مرة أخرى ولكن برأيي بشكل فردي وليس جماعي.