أذكر ذات يوم بعيد في أحد أحياء العاصمة الرباط كنت جالسا في مطعم أتناول وجبة عشاء, و بينما أنا مُنغمسٌ في غمس أصابع البطاطس المقلية في الصلصة الجزائرية (نوع من الصلصات المعشوق في المغرب), و وسط تلذذي بوجبتي تلك، فجأة رمقت فأرا صغيرا يدخل من نافذة المطعم و يتسلل بخفة و رشاقة إلى مخزن المطعم السفلي, و كما يقول المصريون "اتلخبطت شوية"...و سمعت داخلي صوتين يناديين :
- صوت شجاع جسور : يقول لي " اترك وجبتك جانبا و اطلب أن يحضر الباطرون (و هو رجل سبعيني بشارب خشن و له كرش تسبقه بنصف متر) و احتج عليه و اسأله كيف يسمح للقوارض أن تجول وسط مطعمه على مرأى الزبائن؟؟ و لا تعد لهذا المطعم مجددا.
- أما صوت جبان لعين فقال لي "أكمل وجبتك ياغبي و إلا ستتضور جوعا ليلا و حينها لن ينفع الندم , انسحب بسلام و لا تعد هنا مجددا".
و طبعا أذعنتُ للرأي الجبان الحكيم, و لكن سواء أكنتُ حينَها جبانا أم صاحب شجاعة زائفة ، فقراري كان هو أن لا أعود أدراجي أبدا لذاك المطعم و الذي بالمناسبة كنت فعلا أعشق طعامه.
أما ذاك المحلل الإقتصادي الغبي الذي يسكنني فحاول مواساتي و أخبرني أن صاحب المطعم خسر زبونا جديدا، و أسهب في تحليله قائلا إن استمرت الفئران في الرقص ولعبة الغميضة على مرأى زبائن المطعم فسيؤثر ذلك حتما على مداخيله, و لِوقف نزيف خسائره لن يكون أمام مسيو لو باطرون سوى أن يرصد ميزانية محترمة لمحاربة الفئران و الجرذان, و إن لم يفعل ذلك و بسرعة فمصير مطعمه هو الإفلاس. و المطاعم المجاورة لمطعمه ستسعد حتما و ستنتشي بربح زبناء جدد لصالحهh أو ما يسمى اقتصاديا بقطع جديدة من كعكة السوق.
و منذ أيام ذهبت عند كشك لبيع المكسرات وطلبت قليلا من ذاك الحمص التركي الذي أعشقه, و حقيقة هو حمص عجيب استطاع أن يفك تلك العقدة الأبدية لأصحاب الأسنان الهشة مع الحمص ههه..على أي, وجدت أمامي بائعا عبوسا و ذا تكشيرة غير مبررة, فقلت له مداعبا "سأنتظر من كرمكم أن يفاجئني بحبات لوز مجانية مع الحمص, أليس كذلك؟؟ فأجاب بصوت أجش: " لا تنتظر شيئا يا سيدي فكل شيء له ثمن محدد"...فلم أستسغ تعامله الفظ معي, فقلت له "أعتذر يا سيدي أظن أن شهيتي انسدت فجأة ا! لم أعد أريد شيئا" و انسحبت من عنده.
خلاصة و عبرة : يا أصحاب التجارة و كل من يشتغل في مؤسسة تبيع منتوجا, ليس المطلوب منكم أن تهزوا الزبون فوق العمارية (منضدة يرفع عليها العريس و العروس في الزفاف المغربي) أو تشتروا له كعكة في عيد ميلاده, فقط تبسموا جزاكم الله في وجوه زبنائكم, و أهم شيء: اقتلوا الفئران و الصراصير اللعينة.
و أنتم يا أصدقاء, بصفتكم زبناء لمنتوجات عديدة هل واجهتم مواقف طريفة مماثلة؟؟؟
التعليقات