التكنلوجيا التي جاءت مع هذا العصر، تعد الناس بالكثير من الفُرص، لكنّنا جيلُ المبذّرين.

نحن أكثر جيل يتشكّى من فقدان الشغف، قلّة الحافز، ونقصان الطاقة في منشوراتنا. الأمر أصبح "ميم" يبتئس فيه الناس بفكاهة وخفّة دم.

معظم الناس لا يعيشون إلى المستوى الذي يُمكن أن يكونوا عليه. معظمهم يمرُّ بحالة انفصام، بين ما يُريده وما يفعله في الوقت الحالي.

وحتّى أكمل المسلسل البائس، كلّ الناس لا يملكون رؤية واضحة لما سيكونون عليه بعد فترة. في قديم الزمان، كنتَ تريد أن تكون كأبيك، أو فارس القرية أو شيخ القبيلة. كان هناك تطور واضح، وملموس نحو الهدف الذي تريد أن تكونه.

اليوم لم نعد نملك هذه الرؤية، حتّى المدرسة والجامعة لا توفّر طريقًا واضحًا. قد تدخل هناك وقد تكسب من دراستك عملًا، وقد تكون من العاطلين.

حنانيك أنا طالب طب، ومُقبل على التخرّج، ولا أعرف ما سأتخصّص فيه بعد خمس سنوات، هذا حال من يعتبر الناس مستقبله مضمونًا وخريطته واضحة!

كلّ ما طرحته يصبُّ في مجرى واحد: شغف أقل، طموح ناقص، وشُعلة منطفئة.

الشعلة ضرورة عيش وتكاثر

في السابق كان لدى أجدادنا شُعلة دائمة، تجعلهم يسيرون نحو أهدافهم. كانت أهداف جيّدة أو سيئة لا أدري. لكن كان لديهم شيء يسعون خلفه حتّى لو سُفكت دمائهم.

لو كنت تحبُّ فتاة، وما ملكت ما يكفي لمهرها، سواء من المال أو الجاه. ذهبت تعمل وتكدّ، تحاول بأي طريقة أن تُنمّي من نفسك لتكون صالحًا لها.

لو علمتَ بغارة قبيلة تغزوكم، ستجمع رجالًا من قبيلتك وتهبّون للدفاع، بل قد تبتدرون القبيلة بغارة منكم. دعوني أن أقتبس لكم نصًا قرأته قبل أيّام:

وكان سبب قتله أن خثعم قتلت الصميل أخا ذي الجوشن الكلابي، فغزا ذو الجوشن خثعماً، وسانده عينة بن حصن الفزاري: على أن لذي الجوشن الدماء، ولعيينة الغنائم، فغزوا خثعم جميعاً فلقوها بالفرز فقتلا وأثخنا وغنما.

ببساطة قتلوا أخاه، فتعاون مع قبيلة وفرسان، على أن يُعطيهم الغنائم من الذين سينتقم منهم، وهو يتشفّى بالدم فقط. هل قاد هذا الرجل لصنع ما صنع غير شعلة اشتعلت في قلبه؟

القلب مكان إضرام الشعلات

أنا أتخلّى عن رداء علميتي هنا، لا أتحدّث كطبيب، فلم يثبُت ذلك بعد. لكنّي أتحدّث كإنسان، وأتحدّث بما أشعر به، وبما شعر به كل مخلوق منذ فجر الخليقة.

القلب هو المكان الذي تنبعث هذه الشعلة. الشعلة التي تقودنا لنتحرّك ونغزو ونغنم. لكن كيف تتولّد الشعلة؟

تعال نأخذ بعض الأساسيات:

لديك أفكار تأتي من العقل، تكون منطقية وعقلانية. ولديك أحاسيس تأتي من الحوض، تكون بدائية أكثر، هدفها التكاثر.

كلاهما ضروري. العقل يحكم تصرّفاتك، والحوض يحثّك على أمر فطري وهو التكاثر. وفاقهما هو ما نبحث عنه. لكن في بعض الأحيان كلّ منهما يتلوث، العقل بأفكار ومعتقدات خاطئة (كأفكار كل أعدائي) والحوض بمحفّزات فاحشة أو مشتّتة (مرئيات إباحية، تصّفح شبكات التواصل، إلخ..)

المكان الذي تلتقي فيه أفكار العقل، وأحاسيس الحوض، تلتقي في القلب. القلب بمثابة ساحة المعركة الذي تتبارز فيه هذه الأفكار وتتولّد الشعلة.

معظمنا في عصر الدوبامين لا يحدث عندنا هذا فلا تتولّد الشعلة. الطريق مسدود، مقطوع عند القلب. فيومًا نفكّر بالعقل، ويومًا يقودنا الحوض.

لماذا الطريق مسدود؟ لأنّ عملية توليد الشعلة غير مريحة. يجب أن تفتح قلبك لتشعر بالقتال الذي يجري بين الأفكار، يجب أن تسمح لقلبك أن يتشرَّب بأحاسيس غير مريحة فيختار منها.

الأسهل أن تغلق قلبك، وتعيش حسب "المود" الذي يكون عندك في ذلك اليوم. لكن هذا نمط عيش بائس، نمط عيش يقود لـ "ميمات" تشكّي على مواقع التواصل.

رجل يعيش بشعلة هو رجل خارق

لا أعتقد أنّك تحبّ أن تعيش فيما رأيته من الطريق المسدود. صباحًا في العمل، تنتظر أن ينتهي، ومساءً تكون نهبَ المُشتتات، أو تلك التي -لا سامح الله وإن كثُرت- تفحشُ وتشذ.

أراك تريد شُعلة. لا طريقًا مسدودًا.

حريٌّ بك أن تتابع ما أكتب في الأسبوع المقبل. سنعمل معًا، بأمثلة عملية من حياتي وحياة من أعرفهم، على فكّ هذه العقد، واضرام شعلات ستجعلك تعيش على وفاق مع قلبك، وتسعى نحو أهدافك بنار تضطرم وتلهب!

الأثنين والخميس، على مجتمع ثقافة هنا في حسوب I/O، وبعد أن أنتهي أجمع كلّ ذلك في كُتيِّب صغير يُنشر مجانًا، فترقَّب!