على الرغم من أنها مقولة تعد في إطارها الزمني كلاسيكية، فإن العمل بها خلال العصر الحالي يضعها في قالب عصري للغاية، حيث أن الصناعة المعاصرة على صعيد الميديا ومنصات التواصل الاجتماعي والاجتياح العملاق لدور الميديا في حيواتنا قد جعل من هذه المقولة حقيقية أكثر من اللازم. لقد أصبحنا على هذه الصورة التي يحذّر منها أديب العصور الكلاسيكية، والذي قال جملةً بالرغم من قدمها حملت تنبؤًا واقعيًا عما سوف تعانيه البشرية من تضخم الرغبة في التحول المستمر إلى أشخاص آخرين، لإرضاء رغبات ومعايير أشخاص آخرين، دون الاهتمام يما نريده لأنفسنا.
أصعب معركة في حياتك هي عندما يدفعك الناس لتكون شخصا آخر-شكسبير-
لا أدري قصد شكسبير هنا, وما إذا كان يقصد محاولة مصادرة كينونة الفرد واستقلاله الفكري عن وسطه أم يقصد معنى آخر, يصعب استخراج المعاني من الجمل المجتزءة من سياقها التاريخي.
الصحيح والخطأ نسبي, وما أراه صوابا أنت ترينه خطأ والعكس, وبالتالي على أي أساس سنحكم أن هذا الدفع أو ذاك سلبي أم ايجابي؟
أنت تقولين تارة أنه يحدث وأن نعيش وسط جمع نرى أنهم مخطئون, أظن أن الرأي متبادل فهم أيضا يرون أنك مخطئة بالضرورة ماداموا متمسكين بآرائهم ولا يوافقونك وجهة النظر, ثم تقولين ماذا لو كنا مخطئين؟ حسن أنت فعلا مخطئة من وجهة نظر المحيطين بك...على أي أساس سنحكم من المخطئ ومن المصيب؟ هل يوجد طرف ثالث محايد بهذه المعادلة ليحكم؟
إن الحياة البشرية تقتضي أن يبدي كل شخص رأيه للآخرين, ويحاول جاهدا أن تسود أفكاره الشخصية المحيطين به, وهكذا تتطور الحياة الاجتماعية بتبني الأفكار الأقوى التي تلقى قبولا بين الأغلبية حسب الظرفية.
لقد غيرت الطريق تماما بمجرد قولك:
الصحيح و الخطأ نسبي...
الآن لو أخذناها بمرجعك، فلن نصل لحل أبدا، فمهما تكلمنا سنبقى ندور في حلقة مفرغة مركزها هو: "ما الذي يثبت أنك او أنني صحيحة؟"
أعتقد ان هناك خطأ منهجي في هذا الأمر، ثم إن المجتمع الذي لا يملك مرجعية يعود إليها ليعرف الصواب من الخطأ فهو يعيش بقانون الغاب! وأعتقد ان شكسبير نفسه قال قوله هذا لأنه قد تعب من محاولة الناس فرض رؤياهم التي ربما تكون خاطئة وفق مرجعية مجتمعه آنذاك... وحتى انا في مقالتي اخذت الامر بالنظر والإتكال على الأساس المرجعي.
لهذا فلا أعتقد انه يمكننا أن نقول "لا يمكن ان نعرف من المخطأ" إذا اخذنا المرجعية التي يمشي عليها و يؤمن بها ذلك المجتمع (بغض النظر عن ما هي المرجعية الصحيحة بالأدلة)
ثم أكمل بقول: الأقوى قد يغلب إجتماعيا، لكن ذلك لا يعني ابدا انه على حق ويمكنني ذكر أمثلة شتى لذلك... نعود هنا ليكون هذا دليل على ان الصحيح و الخاطئ ليس نسبيا بل هو ثابت.
الآن لو أخذناها بمرجعك، فلن نصل لحل أبدا، فمهما تكلمنا سنبقى ندور في حلقة مفرغة مركزها هو: "ما الذي يثبت أنك او أنني صحيحة؟"
لأن هذا هو الواقع وهذه هي الحياة فالناس تختلف في كل شيء, حتى التوائم لها آراء مختلفة في بعض المواضيع.
لا يوجد مرجعية للمجتمع لتحديد الصحيح من الخطأ في كل صغيرة وكبيرة, لأنه لو وجدت مرجعية لكل شيء بهذه الحياة إذن لماذا نحن مختلفون بالآراء؟ ولماذا تتغير القناعات مع مرور الزمن؟ ولماذا تختلف المجتمعات؟ ولماذا لدينا هنا مجتمع حسوب نتناقش فيه ونسأل الناس آراءهم؟ فقط نفتح دفة المرجعية التي تتحدثين عنها وننظر في الفهرس عن الموضوع الذي نناقشه سواء اقتصادي أو اجتماعي أو أدبي أو ديني وانتهى الأمر.
الخطأ والصواب نسبي, أنت ترين أنك على صواب وأنا أرى أنني على صواب ما المرجعية التي ستحكم بيننا؟ أعطني مثالا.
لأن هذا هو الواقع وهذه هي الحياة فالناس تختلف في كل شيء, حتى التوائم لها آراء مختلفة في بعض المواضيع.
عندما قرأت هذه الجزئية بدت لي تشاؤمية قليلا، لا أعلم لماذا لكنها بدت كذلك.
لماذا نحن مختلقون بالآراء؟ سؤال جميل وسأجيب: نحن نختلف ليس لأن المرجعية غير موجودة... بل الإختلاف ينبع من مدى بعدنا وقربنا من تلك المرجعية.
كما أعتقد أنك ربطت بين الإختلاف والمرجعية بشكل غير عادل، لأن وجود المرجعية لا يعني ابدا أن لا نختلف!! بل العكس تماما- إختلافنا هو ما يبين ويؤكد حاجتنا للمرجعية. لأن الإختلاف نابع عن التصرف الإنساني الناقص والغير مثالي...
نحن نملك مرجعية لأننا مختلفون، وليس العكس. المرجعية تجعل إختلافنا مبدع، ببساطة لأنها تنظمه، لكنها لا تلغيه أبدا...
ثم دعني أقل لك شيئا آخر، ألا تعتقد أن الإدلاء برأي ما و النقاش بين الناس هو بحث عن الطريق إلى المرجعية التي ربما ضاعت لهم؟ بمعنى آخر: هل تعتقد أن وجودك هنا على حسوب ليس له أي فائدة ولا معنى؟! أنا وأنت نتناقش الآن وكلانا يظن أنه صحيح، ألا ترى عميقا أن هناك شيئ ما نحاول الوصول إليه كلانا وهو: الصحيح الصادر من المرجع🙄
سأعطيك المثال الذي طلبت:
بالنسبة لي كمسلمة، مرجعيتي المطلقة هي الله، وعلى أساسها أبني كل مساهماتي التي أضعها هنا، وعليها أفسر الخاطئ من الصحيح في كل شيئ وفي الصغيرة والكبيرة، لأنني أعتقد أن الإختلاف البشري بشتى أنواعه وأشكاله وتفكيره وإبداعه، ومهما حاول أن يتحد فلن يستطيع لأنه ناقص ومحتاج سواء يعترف بذلك أو لا، وان المرجعية الوحيدة في الحياة هي القيم العليا الخارجة التي يحددها الله والخارجة عن نطاق قدرة الإنسان. لدي إيمان عميق ان الجهل بالمرجعية عند الناس الغير مسلمين هو خلل فيهم وليس في مسألة "هل هي موجودة أم لا" وكذلك كل ما يحدث في العالم من سوء هو نتاج "خلل" في ظاهرة الإنسان أو ما أسميه "الجهل"، لهذا أختلف معك عندما تقول ان الحياة نسبية لأني أحس هذا القول نوعا ما "سطحيا". وأعتقد بشدة ان هذه هي المرجعية الوحيدة الحقيقية في الكون.
الآن ربما ستختلف معي، ولن نخرج من نقاشنا بأي نتيجة، هل سيغير هذا أي شيئ بهذه المرجعية؟ لا طبعا رغم أنني وأنت نختلف، نحن نتحرك في السلب والإيجاب في دواخلنا، لكننا لن نؤثر أبدا على الحقيقة.
من وجهة نظري:
هروب الناس من بعض المشكلات يوقعهم في مشكلات أخرى ..
فأنت الآن تريدين الحصول على قاعدة تسيرين عليها في حياتك:
هل أستمع لنصائح الآخرين وأغيّر نفسي بناء على نصائحهم مع عدم توافقها مع رؤيتي .. أم أتمسك برؤيتي وأعرض عن نصائح الآخرين؟
فكّري: لماذا تريدن أن تحصلي على قاعدة
الجواب: لأنك تريدين الراحة من همّ التفكير والموازنة في كلّ مرة تقع فيها هذه المشكلة
فإذا استقرّ رأيك على عدم الاكتراث بنصائح الناس فستقومين في كل مرة برفض النصيحة بضمير مطمئن .. ثم تمضين في عملك ..
وإن استقرّ على قبول النصحية فستقومين في كل مرّة بالقبول والتغيير الفوري
إذن أنت تهربين من القلق المستمر الذي تتعرضين له في كل موقف إزاء هذه القضية وتبحثين عن الراحة ..
من قواعد الدنيا: القلق بين فترة وأخرى والحيرة بين الأفكار المتصارعة في الذهن .. وعلاجها محاولة فحص كل قضية وحدها وإصدار قرار في كل مرة بعد موازنة الإيجابيات والسلبيات ..
وإذا أردت الهروب من ذلك فأنت تخرجين عن قاعدة الدنيا من جهة، وعن الاعتدال من جهة أخرى الذي تفرضه الموازنات الدائمة إلى التطرف لأسلوب دون آخر ..
فقطعًا إن جزءًا مما ترينه صحيح .. وقطعًا أن جزءًا آخر مما يراه الناس في أمور أخرى صحيح .. فلابد من الاجتهاد للعثور على الصواب في كل مرة ..
وأتفق معك في مرجعية الوحي .. وأن كل الآراء مهما كان قائلوها يعريها الوحي الصحيح الصريح .. لكن الوحي أتاح الاجتهاد في كثير من المسائل التي لم يحسمها لتدريب العقول على التفكير والاجتهاد
أنت حصرت النقاش في إطار ديني فقط, رغم أن موضوعك هو شامل فعبارتك "أصعب معركة في حياتك هي عندما يدفعك الناس لتكون شخصا آخر" لا تقتصر على الجوانب الدينية, كذا عبارة شكسبير, سأفسر لك ما أعنيه.
مثلا:
- رجل يعتقد أن قريته ستتطور بالمحافظة على الطابع الزراعي لها لكن بإدخال تقنيات زراعية حديثة, في حين يرى أهل القرية أن الزراعة لم تعد تصلح لهم ويجب تغيير النشاط نحو الصناعة, ويحاولون إقناع الرجل بتغيير نشاطه الزراعي نحو الصناعي.
من المحق هنا ومن المخطئ؟ هل يمكن لك أن تفتي حلا من المرجعية الاسلامية أو البوذية أو الكونفوشية؟
- شخص يعيش في وسط صارم وشديد الالتزام بالخطط وهو بطبيعته مرن ويريد منه الجميع أن يصير صارما مثلهم وملتزما بالتخطيط.
وقسي على ذلك في كل المواضيع وفي كل مناحي الحياة.
ولنعد للمرجعية الاسلامية التي تحدثت عنها, أنا أؤمن بآراء فقهية أنت لا تؤمنين بها والعكس, أنا آخذ بفتوى أنت تأخذين فتوى مضادة, وهناك مقولة للإمام الشافعي: "رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب" فهل الشافعي متشائم هنا بما أنه يؤمن بنسبية الصواب والخطأ؟
دخلت موقع ابن باز رحمه الله ويقول:
والصواب هو أنه يجب أن تغطي المرأة وجهها جميعًا؛
هل هو مصيب أم مخطئ؟
- امرأة تعيش بمجتمع محافظ كل النساء فيه يغطين وجوههن, وهي مقتنعة أن الصواب في كشف الوجه, وهي تشعر بضغط مجتمعي والمحيطون بها يرون أنها امرأة آثمة ومخطئة وعليها التوبة.
- امرأة تعيش في مجتمع النساء لا يغطين وجوههن, وهي تؤمن أن تغطية الوجه واجبة وترتدي النقاب وتشعر بضغط مجتمعي وكل المحيطون بها ينصحونها بأن تكشف عن وجها.
كلا المرأتين ترددان عبارة: "أصعب معركة في حياتك هي عندما يدفعك الناس لتكون شخصا آخر"
ما الصواب هنا؟
أيا كان رأيك هو ليس الحقيقة المطلقة ويبقى نسبيا فإما أنت مع هذا الرأي الفقهي أو ذاك.
النقاش رائع شكرا لبدء مثل ذلك النقاش عزيزتي هاجر
أتفق مبدأيا مع أ محمد أن سؤالك يبدو أقرب لحاجة نفسية للحصول على قاعدة حيث للأسف لا توجد قاعدة.
أقع في ذلك كثيرا نحتاج الثوابت في حياتنا لنشعر ببعض الراحة وأننا واقفون على أرض صلبة في عصر تنقلب فيه الحقائق كل دقيقة.
هناك حقائق مطلقة لا شك، لكنها قليلة جدا أغلب ما يعترض طريقنا في الحياة مسائل نسبية مشوبة بالكثير من الحيرة.
نريد أن نختار الأفضل لكن ليس بوسعنا ذلك، الأمر خارج نطاق معرفتنا وقدرتنا، نحن فقط نجتهد لمعرفة الصواب من الخطأ
تريدين قاعدة؟ سأمنحك إياها رغم أنها نسبية أيضا وعبارة عن رائي الشخصي الذي يصعب علي أحيانا إتباعه😅
عندما ترين شيئا عكس المجتمع، افعليه...سيكون ذلك صعبا للغاية، لكن لو لم تقتنعي فعلا بفعلك لأي شيء لن تستفيدي مطلقا.
وإذا كنتِ على حق ستسعدين أنك لم تسير مع التيار
وإذا كنت على خطأ ستدركين ذلك أخيرا بدلا من الحيرة أو الحسرة أنك انصعتي للمجتمع ولو لم تفعلي لحدث كذا وكذا
لا تسمحي بأن تكوني ضحية مجتمع أبدا، أن أتحمل مسؤلية قرار أو رأي خاطىء خير من الاحساس بأنك مسيرة ومظلومة من المجتمع الشرير الذي حارب أحلامك أو أفكارك الرائعة
لقد أطلت الحديث..لا أعلم إن كان قصدي قد اتضح..أردت فقط تأكيد أن تفعلي ما ترينه صوابا وافق ذلك المجتمع أم لا.
إقرإي تعليقي الأخير...
لقد كتبته للأستاذ جواد قبل أن أقرأ ردك، وفجاة وجدت إسقاطا لما كتبته... بحيث اننا في غياب مرجعية صلبة، لن يكون لدينا مغزى أصلا لنفعل الأشياء، بل سيكون همنا هو : "كيف نخالف؟" وأحيانا يكون ذلك دون أن ندري...
بينما الأصل الذي يظهر لي هو: "كيف نكون على حق قدر الإمكان؟" 😅
أنا ارى أنه لا حاجة لي في مخالفة مجتمع او مجموعة من الناس إذا ما وجدتهم محقين!
أرجو ان تفهموا قصدي.
السؤال هو من يحدد المرجعية؟
ما دام الانسان هو من يحدد المرجعية التي سيحكم وفقها سيظل الأمر نسبي، ليس لأن المرجعية نفسها نسبية لكن لأننا نحن مختلفون.
كلمة مرجع هي المقابل العربي للمصطلح الإنجليزي: Reference Books ويعرف المرجع لغويا في اللغة العربية (بأنه الموضع أو المكان الذي يرجع إليه شيء من الأشياء أو الذي يرد إليه أمر من الأمور، مثل الكتاب مرجع لمن يريد الإطلاع والقراءة أو البحث عن المعرفة.. #ويكيبيديا
هل تعتقدين أنه من المنطقي ان يكون الإنسان نفسه هو المرجع بشكل كلي وتام في جميع جوانب الحياة؟
هل الإنسان يحدد قواعده المجتمعية بدون إعتقاد أو مبدأ يقوم عليه؟
يعني بصفة أخرى، يقول الواقع الذي أراه:
الإنسان لا يحدد المرجعية، بل يحدد القواعد وفقها(وهنا نختلف بشكل عادي، ونكون نتدحرج بين آراء مختلفة لكنها لا تخرج من نطاق هذا، وإن فعلنا ذلك فهناك خلل ما)
ملاحظة: كذلك أسقط هذا على العكس، لو مثلا أعيش في مجتمع يقوم بقواعد لا توافق مرجعيتي التي لدي دلائلها في شيئ، والأغلبية تتبعه-هنا لا أجد مانعا في مخالفته بل ارى انه من واجبي فعل ذلك.
اعطيك مثال:
لو أتى شخص يقول لي ان: "المثلية امر جميل وصحيح وأنا أدافع عنه"
هنا اعود لمرجعيتي التي تنفي الأمر بدلائل أخلاقية تقنعني، ثم اخالف أي مجتمع مهما بلغ عدد افراده.
أما في الامور الدنيوية، فهناك طرق أقرب إلى الصحة، مثلا ياتي شخص يقول "لا وجود لقانون النسبية وآينشتاين كان كاذبا" ما افعله هو انني أضع قوله في ميزان التجريب والفحص، أبحث عن أدلة من الطرفين ثم أضعها وأختار الجانب الأصح. مرجعيتي مصغرا هنا هي: الدلائل التجريبية الصحيحة في هذا الحين... دون أن ننكر أنه في وقت ما من الزمن قد يأتي شخص ويجد دلائل تكون جديدة وتغير الحقاىق؛ وهنا يثبت لي أني كنت على خطأ فاغير عندها مساري. لكن هذا يعني أنني كنت مخطئة لنقص مني، وليس ان الحقيقة نفسها لم تكن موجودة فجعلتها نسبية وفق رغبتي أو مدى قوتي.
هل فهمتني؟ هدفي هو أن اكون مع الجانب الصحيح باكبر قدر ممكن وباستعمال كل الوسائل.
الأهم من أن نتقدم بسرعة هو أن نكون في الإتجاه الصحيح...#توماس إديسون
يبدو أنني لست الوحيدة التي أفكر بهذه الطريقة 😁😁
بالمناسبة أعجبني النقاش معكما 💎💎
لا اتعارض معك، في الحقيقة لقد تهت الآن في سبب الخلاف😅
بالطبع الانسان لا يصلح كمرجعية وبالتالي المجتمع كله، لكن ما أقصده أن الانسان هو من يحدد المرجعية التي يقيس بها.
فمثلا جملة "الجمال تطير" هي خاطئة من المرجعية العلمية، لكنها صحيحة مئة في المئة نحويا مثلا.
وكذلك الفقه مثلا سيختلف حكمي باختلاف أشياء عدة، لذلك في الأمر سعة.
أنا معك أن بعض الأحكام واضحة حتى لو مشى عكسها المجتمع كله، لكن ليس دائما.
أريد ان اقول امرا ما، أنا لست ضد الإختلاف، بل أحبه و أجده مصدرا كبيرا للإبداع، ووجود مرجعية لا يعني غياب المرونة، فغياب المرونة متعلق بضيق السبل وغياب التيسير، وهذا يكون حسب الرؤية، مثلا مثالك عن الحجاب هناك قولين كلاهما له دلائله وقد يكون صحيحا لكن المرجعية واحدة وهي الدين، هذا الإختلاف ناجم عن قصر تفسيرنا كبني إنسان، بالتالي فلن أجرؤ أبدا على إتهام فتاة تغطي وجهها بالخطأ رغم انني اميل للرأي الآخر ووسأضع في الحسبان أن كلانا يمكن أن يخطأ هنا ويصيب، لكن مرجعيتنا تبقى نفسها ولن أخالفها او أتهمها بالخطأ فيه وهذا هو عين المرونة والتقبل والإختلاف في ظل وجود مرجعيات، أرى أن هذا هو ما قصده الشافعي، لكن هل تعتقد أنه كان سيقول هذا إذا ما قابله شخص ملحد وحدثه في العقيدة مثلا؟ لا أعتقد ذلك لان الأصل تغير، ولكل مقام مقال... كما اني قلت لك من منظوري الشخصي مثالا لأجيبك على :"ما الدليل على ان الحياة بها مرجعية"
بمعنى أنني كنت أقصد أن أنفي قول : النسبية الكلية في الصحيح والخاطئ كما قلت في الأول.
أنت قلت في الأول بما معناه: هذا هو الواقع وكل شيئ نسبي ولا يوجد مرجعية.
كما انني قلت بوضوح: "هناك إختلاف في الحياة لكنه لا يعني غياب المرجعية"
انا شخصيا ارجع كل تلك الإختلافات التي ذكرتها في أمثلتك إلى ما يمكن الإتفاق فيه بين أفراد المجتمع دون أن يكون هنالك ضرر، أنما نبحث عن وضوح المرجعية وتجليها في الأمور المصيرية أليس كذلك؟!
لهذا أعطانا الله العقل لنتكيف بيننا بالقواعد التي يضعها الإنسان (التي لا تخرج عن نطاق المرجع الأكبر) ويتفق فيها وفق مرجعيات معينة لتحيى الأمم وهذه سنه الله في الكون، كل هذه محاولات إنسانية ليحسن معيشته باتفاق بين الأفراد... ولا أنكر ذلك بل أحطته بحدود الإختلاف الفطري الطبيعي.
لكن حديثنا في الأول وردي عليك كان:
الحياة نسبية فحاولت أن أثبت لك انها ليست كذلك كليا.
ثم أعود للمرجعية الدينية التي تحدثت عنها، إيماني بأمور فقهية مخالفة لخاصتك يدخل تحت إطار الإختلاف الذي هو رحمة بالعباد و لدي مرجعية تقول: إن حصل إختلاف فهناك صلاة إستخارة، هناك عدم إتباع الهوى، وهناك إمكانية الخروج من الخلاف، مع إحترام خيارات كل الناس من بين كل هذا حسب الدلائل المتوفرة... (وهذا بالذات نفتقده اليوم في ظل التعصب والإتهام المستمر بين الافراد) ، كما ان الأمر يعود للإجتهادات الإنسانية، لكن هل هذا ينفي ان الاصل موجود؟ لا
لا أعلم إن كنت قد وفقت في إيصال فكرتي لك، أعتقد انني سأقربها اكثر بان أقول انني أؤمن بوجود الحقيقية رغم أنني قد لا أعلمها... ربما بهذا الشكل قد تفهمني أكثر. ويمكنني أن أسقط المثال على أمثلة عملية أخرى، هناك قول جميل جدا قرأته يقول:"عدم العلم ليس علما بالعدم" هذا تماما ما أقصده، نحن لا نعلم بمدى حقيقة أمر ما لأننا ناقصون، لكن هذا لا يعني أبدا أن الحق والصحيح غير موجود، وأؤمن أن دلاىله في الكون موجودة حسب الظروف ويجب أن نجتهد لنصيبها قدر الإمكان... وهناك منه ما يدخل في علم الله وحده.
لا أعني بذلك أنني أفرض شيىا ما على الآخرين أو تكون أحكامي تسلطية او غير مرنة كما ذكرت، أو اني أعلم دائما أين هو الصحيح فإني إنسان ايضا... لكن أعتقد أن إيمان الشخص بوجود حقيقة ومرجعية فيما يبحثه مع صدقه الداخلي يقربه إليها حقا.
أعود الآن أخيرا للقول الذي قاله شكسبير، وهو أن أسوأ معركة هو أن يدفعني الناس لأكون شخصا آخر، هنا يجب ان أعرف "هل الآخر الذي يريدونه محق أم مخطئ؟!" وعلى هذا الأساس احكم إن كان ذلك ضارا او لا بالنسبة لي، وأقرر هل سآخذ بآرائهم أم لا... لا اعتقد أنه يمكنني ذلك في غياب مرجعية.
بل دعني أبتعد اكثر وأقول ان قول شكسبير في نظري ليس له معنى عندما لا تكون لدينا مرجعية!! لأننا لن نعرف ما يريده الآخرون في ظل نسبية الصحيح والخاطئ، فنصبح نتبعهم بدون أساس ونعصيهم ونخالفهم لمجرد السفسطة والتسلط والقوة والظهور فقط لا غير.
لقد تهت تماما عن الموضوع الأصل نحو الحديث عن شخصك أنت, أنا لم أطلب رأيك فعلا ولم أكن أقصدك, كانت مجرد أمثلة عامة فقط للتفسير ولتبيان وجهة النظر, وقد خاطبتك بصيغة أنت بدل صيغة المجهول للشرح.
المهم!
المقصود بعبارة الخطأ والصواب نسبي وسأحاول لآخر مرة تفسير قصدي وأتمنى هذه المرة أن يكون واضحا.
جدلا وفرضا ولا سامح الله وهذا مجرد مثال, وأعيد وأكرر مجرد مثال ممكن يحصل مع أي كان فقط أخاطبك بصيغة أنت للتفسير والتوضيح, لنتخيل أنك تخلّيت عن دينك وتحوّلت للإلحاد ستأتين هنا وتقولين كنت مخطئة لقد عشت مع مجموعة من الملاحدة عشرين عاما بروسيا وهم على صواب وأقنعوني بوجهة نظرهم ودعوني أناقشكم الآن....
هذا يحدث لعدد كبير من المسلمين فعلا! وممكن الحدوث لأي واحد منا ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو: اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين.
وبالتالي سنسأل هاجر الملحدة عن هاجر المسلمة, ستقول لنا كلا كنت مخطئة بالماضي تعال أقنعك بوجهة نظري الجديدة....
أي أننا لا نعلم المستقبل, ممكن أي إنسان يعتقد شيئا ما ويدافع عنه اليوم غدا يقول عكسه تماما, وهذا هو المقصود بالخطأ والصواب نسبي.
وهكذا من الناحية الرياضية الخطأ والصواب نسبي, لأن حال الإنسان متغير ونسبي.
عبارتي لا تعني العدمية والعبثية وأنني لا أؤمن بشيء وكل شيء بالنسبة لي ممكن يكون صواب أو خطأ, بل المقصود أنه ممكن اليوم على حال وعلى معتقد مؤمن به بشدة, غدا على حال ومعتقد آخر من يدري؟ ليس فقط بالدين في كل أمور الحياة لأن النقاش شامل....
أنا في موضعي أرى الأمور حسب زاوية رؤيتي الآن ويمكن أعتقد بأمر أنه صواب وهو خطأ., غيري لديه موضعه يؤمن بمجموعة من الأمور. وكل يفسر العالم من موضعه وزاوية رؤيته, ويمكن للإنسان إن غير موضعه أن ينبذ أفكار الموضع الذي كان فيه سابقا ويتبنى أفكار جديدة.
أتمنى أن تكون الفكرة واضحة.
ل تعتقدون أن محاولة الآخرين لنصحنا وتوجيهنا هي دفع لنكون شخصا آخر وينبغي علينا الدفاع بحيث يصبح الأمر معركة ينبغي ان نفوز فيها؟
قد يتوقف ذلك على طريقة النصح...
فلو شعرنا أن الآخرين ينصحوننا لأنهم فعلا يريدون الأفضل لنا ويثقون في مقدرتنا على إتخاذ القرار المناسب، فلا بأس، أما عندما يقدمون النصح للتدخل في قراراتنا والتحكم في تفكيرنا، ففي هذه الحالة غالبا ما تكون النتيجة عكسية.
ربما ليس فقط حسب المواقف، وإنما أيضا حسب المرونة الفكرية لدى الشخص المتلقي للنصح، ومدى ثقته بنفسه وبقدراته العقلية بالدرجة التي تجعله لا يخشى النقد أو النصح، فهو متأكد من قدرته على هضم الآراء والنصائح المختلفة، ومن ثم صوغها بما يتناسب وقناعاته وأفكاره..
كذلك مدى تقبل وإعتبار الشخص للجهة أو الشخصية التي تنصحه، يلعب دورا هاما في كيفية تقبلها بكثير من الأوقات.
ما هي نظرتكم لهذه المقولة؟ هل تعتقدون أن محاولة الآخرين لنصحنا وتوجيهنا هي دفع لنكون شخصا آخر وينبغي علينا الدفاع بحيث يصبح الأمر معركة ينبغي ان نفوز فيها؟
ليس دوماً ، فهناك أشخاص يحبوننا و تفوق خبرتهم في الحياة خبرتنا كآبائنا مثلاً ، نصحهم لنا يكون بدافع المحبة و رغبة منهم في دفعنا لنكون أشخاصاً "أفضل" و ليس أشخاصاً آخرين ، هم يريدون أن يصنعوا منا نسخة أفضل بناءاً على تجاربهم في الحياة ، فإذا ما وجدونا نسير على نفس الخطأ الذي ارتكبوه في الماضي سيحاولون إيقافنا فوراً خوفاً علينا من تكرار أخطائهم .
و هناك نوع آخر منهم ، يحاول فرض قناعاته عليك و لا يتقبل حقيقة أنك فرد مستقل برأيك و قراراتك لا تتبع لهم ، هناك من يستخدمك لإشباع رغبته في الإنتقام مما أصابه ، فنجد مع الأسف أمهات يجبرن بناتهن على أن يكنّ ضعيفات و خاضعات لأنهن أجبرن على ذلك سلفاً ، و نجد الجدة التي تجبر حفيدتها على الختان مثلاً ، لأنها قامت به في الصغر و عانت فلماذا لا تعاني حفيدتها الآن أيضاً ؟
يحاولون تطبيق قوانين ابتدعوها أجدادهم الأولون و يفرضونها على جيل لا يشبههم ، ربما ليس بدافع انتقامي و لكن خوفاً من أفواه الناس من حولهم .
ليس الأمر كذلك ، نصائح الآخرين ما هي إلا تمهيد الطريق أمامنا لنرى الصواب ، أو حتى محاولة لتصحيح شيء من الخطأ الذي ارتكبناه ، لكننا لسنا مجبرين على تنفيذ هذه النصائح ، لأنها لن تكن صائبة على الدوام ، وربما لا تتوافق مع إرادتنا ورغباتنا .
مقولة شكسبير فيها شيء من الانصياع لرغبات الآخرين وتنفيذ املاءاتهم دون الالتفات إلى نفسه وهل هو يريد ذلك أم لا .
يجب الموازنة بين السير وفق نصائح الآخرين بما يحقق لنا النفع الحقيقي ويضعنا على طريق الصواب وبين تنفيذ رغباتنا الداخلية دون أن نصبح شخصاً آخر غيرنا .
مجرد نصيحة الآخر لنا فهي محاولة منه لكي يقدم لنا شيئاً، وتختلف النصيحة وفق الموضوع الذي تتمحور حوله وتوقيتها. ان رد فعلنا الطبيعي على النصيحة يدلل على اقتناعها بها او غير ذلك.
ان قبول النصيحة يعني أننا نتقدم للتصحيح والبدء من جديد والبناء الايجابي. وكما ان رفض النصيحة يعني أنه من غير الصواب أن نسميها نصيحة بل (نقد او رأي آخر).
لهذا فتعريفنا الدقيق لما يقدم لنا سوف يبلور قبولنا أو تفهمنا أو رفضنا لذلك.
مقولة عميقة في مدلولها حقا، لقد أعدت قرأتها مرتين للوصول لمقصوده الصحيح، ورأيت بأن الأخطاء التي يتم تنبيهنا حولها الأخرين هي ما تدفعنا للعمل وتصحيح ما فاتنا، لكن لا أعتقد أنه يريد أن يصل لفكرة أنه بذلك نصبح أشخاصا مختلفين عن نسختنا الأصلية، بل العكس بتعديل ما فاتنا نصبح أفضل نسخة من أنفسنا وفقط.
في إعتقادي ما يجعلنا نتحول لأشخاص أخرين هو عدم سماعنا للأصوات الخارجية أو حتى تقبل النقد في إعتقادنا كل الناس مخطئين ولا يتمنون لنا الخير، لكن عندما نسمع لرأي الأخر فنحن بذلك نفتح المجال لشخصيتنا الأصلية أن تنمو وتتطور.
مقولة شكسبير التى ذكرتيها معناها عندى أن المعركة الكبرى التى يمكن أن يخوضها الإنسان هى تلك التى يخوضها عندما يدفعه الناس بسلوكياتهم وتصرفاتهم تجاهه أن يتحول .. يتحول فى شخصيته .. رحمته بالآخرين .. السلمية التى كان يحيا بها .. مراعاته للآخرين .. ضغوط ومواقف تحولنا إلى أفعال ماكنا نفعلها ونمارسها من أجل أن نتأقلم مع المجتمع الذى يحيط بنا
النصيحة ليس إجبارا أو دفعا ذا جدوى أو تأثير، إن لم نقرر نحن جعله كذلك.
يمكن أن ينصحك أكثر من شخص بنصائح مختلفة وأنت تختارين إتباع إحداها _أو ولا واحدة على الإطلاق_ ثم إذا اتضح لك أن النصيحة غير سليمة، ليس في وسعك الغضب على الناصح، أنت اخترتي تلك النصيحة بالذات، لم يجبرك أحد عليها.
لو عشنا وفكرنا بتلك الحرية سنتخلص من قيود المجتمع، لكن قيود المسؤلية الشخصية أقسى في كثير من الأحيان.
في كثير من الأحيان نصيحة شخص آخر لك سواء كان صديق أو قريب تمثل شكل من أشكال الاهتمام والمساعدة، لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار بأن هاته النصائح مستخلصة من تجارب شخصية في ظروف معينة مر بها ذلك الشخص، أي أن نجاح أو فشل تجربة معينة مقيد ب الظروف التي مر منها، و هذا يعني ببساطة بأنه يجب عليك دراسة النصيحة قبل تطبيقها في حياتك الشخصية.
في وجهة نظري تعد النصائح واحدة من بين أهم مفاتيح النجاح في الحياة لكن يجب قبل أخذ النصيحة يجب تحديد أهداف معينة تريدين تحقيقها، هكذا ستكون لديك سيطرة كاملة بحيث يمكنك التعامل فقط مع النصائح التي تتناسب مع أفكارك و أهدافك، وبالتالي سيكون التوجيه صحيح.
:"كيف أفرق بين نفسي ونفسي التي يدفعني إليها الآخرون وأنا منذ ولدت أعيش بينهم؟"
أتفق مع شكسبير إلى حد بعيد، وأعتقد أنه لا يقصد فقط ما ينصحنا به الآخرون وما يملوه علينا سواء كمعلمين أو أهل أو أصدقاء ...
وأنا أيضا ما يفعلوه معنا من تصرفات تجعلنا نتصرف بطريقة قد لا تكون طريقتنا، وحتى غير مقتنعين بها فقط لنحمي أنفسنا، وندافع عنها.
وأبلغ فوزاً بها حسب رأيي، أن تتمسك بشخصك إذا وجدت وفاقا مع نفسك أو كان شخصك يحقق لك النجاحات، بمعنى غالبا ما تكون نصائح الآخرين غير بريئة، فتجد نفسك في صراع ضد جانبين، نفسك والآخرين، لذلك من الأفضل أن تكون أنت هو أنت، دع طبيعتك على سجيتها، فلم يُخلق الإنس بلون واحد ولم يكن يوما ذي تفكير واحد، اختلافك هو هويتك مهما قيل فيك...
التعليقات