في كثير من النقاشات التي خضتها في مختلف المجالات كنت أجد نوعا من الأشخاص يضع فكرة في رأسه ثم يذهب للبحث عن أدلة تدعمها، أو يقوم بتحوير الأدلة الموجودة لتخدم هذه الفكرة بشكل ما، الطبيعي هو أن ندرس الأدلة ثم نصل للإستنتاج وليس العكس.
تسمى هذه العملية بمغالطة الإنحياز التأكيدي، وهي المغالطة الأشهر على الإطلاق من حيث عدد الأشخاص الذين يقعون فيها، تقريبا الغالبية العظمى من الأشخاص يقعون في هذه المغالطة بشكل يومي، والخطورة الحقيقية لهذه المغالطة هي أنها حرفيا تعيق الشخص عن التفكير، فهو يستمر بتحوير الادلة الى مالانهاية من أجل أن يدعم فكرته التي قد تكون خاطئة وبالتالي لن يمكنك أبدا إثبات أنه على خطأ، ومن ناحية أخرى لن يعرف الشخص نفسه الصواب أبدا.
تعمل هذه المغالطة كالتالي، في البداية يقنع الشخص نفسه بفكرة ما بدون تفنيد أو دراسة، ربما يفرضها عليه واقعه أو بيئته أو يجد فيها منفعة ما، ثم يتجه للبحث عن أدلة تدعم هذه الفكرة متجاهلا تماما أي أدلة مضادة وأحيانا متجاهلا صحة الادلة نفسها.
تناقشت مع أحد أصدقائي حول أحد المسلسلات المقتبسة عن قصة حقيقية، فأخبرته بأن المسلسل هو مجرد عمل درامي لكن لا يمكننا أن نحصل على معلوماتنا التاريخية منه، وأريته الكتب والمصادر المختلفة التي تناقض المسلسل، وفي النهاية أخبرني أنه يصدق المسلسل أكثر من الكتب، فقط لأن الفكرة المعروضة في المسلسل كانت متوافقة مع الفكرة التي يريد تصديقها، حتى إن كانت كاذبة.
في كتاب think again يقول المؤلف أنه فقط قلة قليلة من الأشخاص في العالم لديهم القدرة على تفنيد أفكارهم بحيادية وتجرد وإعادة التفكير فيها معتمدين على ادلة حقيقة وعلى درجة عالية من التوثيق، أما الغالبية العظمى فهم ليس لديهم استعداد أصلا لبذل جهد في التفكير، فهم يصدقون ما يأتي إليهم حتى لا يرغمون على إعمال عقولهم!
وأنت عزيزي القارئ، هل تعيد النظر دائما في صحة أفكارك؟ وهل وقعت يوما في مغالطة الإنحياز التأكيدي؟؟
التعليقات