كنتُ مصباحًا صغيرًا، مثبتًا على حائط مهترئ في غرفة مزدحمة. لم أكن الأجمل، ولا الأقوى، كنت أضيء المكان كلّ مساء. دون أن يُطلب مِنِّي، أُشعل نوري فور الغروب، وأبقى مضاءً حتى تتعب عينيّ الزجاجيّتان من التوهّج.
طوال مدة خدمتي، غالبا ما أسمع عبارات الحبِّ والتَّقدير ولنكن صادقين الأمر كان مبهجا… ليس لأنني أرغب بالمديح، بل شعور جميل أنِّي كنت سببًا للراحة، ولو ببصيص ضوء.
وكحالة كل شيء جميل لابد ويأتي ذلك اليوم الذي ينقطع فيه ذلك النُّور. ليست غلطتي، أقسم… حلَّ الظلامّ، وبدأ الناس يتعثرون، وارتفعت الأصوات معلنة خروجي من الخدمة أني تعطلت في ذروة حاجتهم إلي ، قوبلت بجحود عظيم، كنت أقوم بما أجيده طوال ذلك الوقت، حتى إنهم لم يجهدوا أنفسهم بالسؤال الأهم لماذا انطفأت؟
لم يقترب أحد ليرى إن كنت مكسورًا، أو بحاجة لراحة. اكتفوا بتبديل مصباحي بآخر جديد… أكثر بريقًا، بلا قصص قديمة. لم أعد أضيء. لا لأنني لا أستطيع، بل لأنني فهمت أنَّ ضوءي لم يكن هو ما أحبّوه… بل فقط ما احتاجوهّ، وما إن تغيّرت الحاجة… تغيّرت الرواية.
لم أكن طيّبًا في نظرهم… كنت فقط الشيء الذي يُفيدهم، وعندما فقدت ما يحتاجونه، سقطت صورتي. والآن، أنا قابعٌ في صندوق قديم، بين أشياء منسيّة شبيهة بي. وللصدق لا ألومهم…بقدر ما ألوم اللحظة التي ظننت فيها أن الصورة التي رسمها الناس لي، يمكن أن تُشبه الحقيقة.
التعليقات