لطالما ارتبط الاكتئاب في أذهان الكثيرين بالحزن العابر أو ضعف الإرادة، لكن العلم الحديث أثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الاكتئاب ليس مجرد حالة نفسية عابرة، بل هو مرض عضوي معقّد، يؤثر على كيمياء الدماغ ووظائف الجسد تمامًا كما تؤثر أمراض السكّري أو القلب.

في الحالات الشديدة من الاكتئاب، يتغيّر مستوى بعض النواقل العصبية في الدماغ مثل السيروتونين والدوبامين، وهما مادتان تؤثران على المزاج، النوم، الشهية، والقدرة على الاستمتاع. هذه التغيرات الكيميائية يمكن رؤيتها أحيانًا من خلال التصوير الطبي الوظيفي للدماغ (مثل fMRI)، مما يدل على أن جذور الاكتئاب تتعدى النفس وتمتد إلى الجسد.

كما تُظهر الدراسات أن الاكتئاب مرتبط بتغيرات في مناطق معينة من الدماغ، مثل منطقة الحُصين (Hippocampus) المسؤولة عن الذاكرة والتعلّم، والتي تصغر حجماً لدى بعض مرضى الاكتئاب المزمن. إضافة إلى ذلك، يترافق الاكتئاب مع اضطراب في نظام الغدد الصماء، مثل فرط إفراز الكورتيزول (هرمون التوتر)، مما يؤكد وجود تأثيرات عضوية ملموسة.

لكن، هل هذا يعني أن العامل النفسي ليس له دور؟ بالطبع لا. فالاكتئاب مرض متعدّد العوامل، يتداخل فيه النفسي مع الجسدي، والوراثي مع البيئي. من هنا جاءت أهمية المعالجة الشاملة التي قد تشمل العلاج النفسي، الدوائي، السلوكي، وحتى الغذائي.

ولأن الثقافة المجتمعية لا تزال تُقلل من شأن الأمراض النفسية وتُعاملها كضعف، فإن كثيرًا من المرضى يتأخرون في طلب المساعدة، مما يفاقم حالتهم.

حين يصبح كل شيء رماديًا...

"لم أعد أرى اللون في الحياة"، هكذا وصفت إحدى الشابات تجربتها مع الاكتئاب. كانت تستيقظ كل صباح دون رغبة، دون هدف، حتى الضوء الذي يتسلل من النافذة لم يكن يُشعرها بالدفء، بل يوجع عينيها ويذكّرها بأنها ما زالت هنا... بينما روحها في مكان بعيد.

كانت تضحك مع الآخرين، لكنها من الداخل منهارة بصمت. تشعر وكأن الحياة تمشي بلون رمادي باهت، لا طعم فيه، ولا رائحة، ولا أمل. كانت تتمنى فقط أن تشعر "بشيء"... أي شيء.

لم يكن الاكتئاب لديها مجرد حزن، بل شلل داخلي، عزلها عن كل ما تحب، عن نفسها، عن صوتها الداخلي.

رحلتها نحو التعافي لم تكن سهلة، لكنها بدأت حين اعترفت أن ما تشعر به ليس ضعفًا، بل مرض يستحق الاحترام والعلاج. ساعدها الطبيب، ووقفت معها صديقة لم تتخلَّ عنها. وبعد أشهر طويلة، عادت ترى الألوان شيئًا فشيئًا… وعادت إليها الحياة.

سؤال للنقاش:

هل عانيت يومًا من الاكتئاب؟ كيف كانت تجربتك؟ وهل استطعت التعافي منه؟

في رأيك، هل الاكتئاب مرض يمكن الشفاء منه بالكامل، أم أنه يلازم الإنسان طوال حياته؟

وهل تصنيف الاكتئاب كمرض عضوي يساعد المجتمع على تفهمه أكثر، أم ستظل النظرة محصورة بين "الضعف" و"قوة الشخصية"؟