بما أننا في وقت الإنفلونزا والروماتيزم ونزلات البرد، دعوني أشارككم اليوم واحدة من أهم جدالات فلسفة الطب هي: ماهي الحدود بين الصحة والمرض؟ ماهي الصحة؟ ما هو المرض؟ ثم ماهي الحالة الأصلية للعضوية هل هي الحالة العادية أم الحالة غير العادية؟ وما الذي يجعلنا نحكم طبيا على حالة ما أنها عادية وعلى أخرى بأنها عكس ذلك؟

فلنبدأ مع كلود برنارد الذي اعتقد أن من المستحيل تقريبا حل هذه المشكلة بسبب التنوع البشري الذي يقف عائقا أمام اليقينية الطبية في هذه النقطة، لكنه يميل إلى القول بأن المرض هو إنحراف كمي عن وضع عادي او طبيعي محدد مسبقا، وقد سيطر هذا الرأي على تاريخ طويل من الطب ، لكنه تغير بعد طرح السؤال: ماهي الحالة الطبيعة أصلا ومن يحددها؟ حتى جاء الفيلسوف يرجي فاشا في 1978 ليحدد معنى الطبيعي بمعنى المتكرر، الشائع، المتوسط، النموذجي، الصالح، الأفضل، المثالي، ثم سرعان ما سيأتي الفيسلوف والعالم الفرنسي جورج كانغلهم لغير مفهومنا عن المرض من جديد، ويقول بأن الحالة الطبيعة هي حالة الكفاءة، فالكائنات البشرية كائنات تنشئ صور جديدة باستمرار من أجل التكيف مع البيئة للحفاظ على البقاء، ومهما كانت المقاييس الحيوية نادرة أو غير طبيعية وبعيدة عن المعتاد يجب اعتبارها طبيعية، طالما تعمل بكفاءة فلا يهم الاختلاف من شخص لأخر لأن لكل واحد خصوصيته وبدلا من البحث عن الطبيعي يحب أن نبحث في منظومات الأفراد النفسية والسلوكية والبولوجيا معا وربطها ربطا سببيا.

عموما، تنقسم المدارس الفكرية حول هذا الجدل الى قسمين كبيرين هما مدرسة المعيارية وهي التي تدعي انه لا يمكن تعريف الصحة أو المرض دون الرجوع إلى أحكامنا القيمية فتعتبر ان المرض هو انحراف عن معاييرنا الاجتماعية السائدة، أما لمدرسة الأخرى وهي البيو إحصائية، فتعتقد بأن المرض هو إنزياح كمومي عن الوضع  الطبيعي الإحصائي، مثلا، إذا وجدنا شخص ما معدل سكر الدم عنده هو 400 ملغم فهو في نظر كلا المدرستين مريض سكري، لأن الأولى تعتبره انحرف عن المعيار السائد والثانية تعتبره خارج الوضع الاحصائي الذي هو 100 الى 125 ملغم ، لكن المشكلة أن الكثير من الحالات كهذه ليست مريضة فعليا بل هي بصحة جيدة وكل المؤشرات تثبت، إنما سبب ذلك قد يكون وراثيا أو بيئيا.

أخبرنا عن المدرسة التي تميل إليها أكثر؟ ماهو المرض في رأيك؟ وكيف نحكم على شخص ما أنه في حالة طبيعية في رأيك؟