لماذا نبحث عن الحقائق ثم نعتقد أنها مطْلَقة؟ لماذا لا نرْضَى بهامش من الجهل؟ لماذا نُصِرٌّ على حشْرِ أنفسنا في منطقة تعارفنا عليها بالسواء؟ لماذا ننتظر تصريح الآخر بوجود طبقة استثنائية لنرضى عن أنفسنا؟
كانت هذه الأسئلة أكثر ما شغل تفكيري في فترة من عمري وُصِمْتُ فيها بأني مكتئب، مما دفعني للتَّساؤل عن ماهية الاكتئاب من الأساس؛ لأكتشف بعد بحث طويل (نسبيًّا) أن المجتمع العلميّ لا زال حائرًا في مواجهة هذا الكلب الأسود، وأن المعرفة المتداولة حوله في السياق العربيّ ملآنة بالأغلاط، بداية من ترجمة المصطلح (Depression) مرورًا بتخيل الأطباء بعض الأعراض لتحقيق التشخيص، وانتهاءًا بالزعم أنًّ كلُّ من يعاني تغيُّرًا في حياته اليوميّة يحتاج أقراصًا لتعبث بكمياء دماغه! ولا يمكننا الآن أن نُفَنِّد كل معلوماتنا حول الموضوع، لكن يمكننا خلق التساؤل داخل كل فردٍ منّا، وهذا هو المبتغى.
هل هناك مجال لكسب صراع (سحب حبْلٍ) نحن طرفاه؟
على حد علمي يستحيل ذلك؛ وعليه فأيُّ جزءٍ من حياتنا نحاول أو سنحاول التملُّص منه لن يتركنا وشأننا أبدًا، طالما هو جزءُ منّا. فتصالحنا مع فترات التغيّر والانضغاط مع كل ما يحدث فيها من حماقات، وتحمّل مسئولية ذلك هو السبيل الأول والأخير لتفهّم حقيقة ما سمِّيَ بالاكتئاب.
عادةً ما تبدأ آلآمنا بهزَّةٍ خفيفة أو ثقيلة من حنجرة أحدهم، تلك الهزة التي لا تبوح بالكثير لكنها وللأسف -حين تصل موضع جَرحِها- غالبًا ما تخلخل اتزاناتنا العاطفيّة والعقلانيّة بلا هوادة. لكن هل هذه الهزًّات فاعلةٌ بذاتها، أم باستجاباتنا لها؟!
إنها استجابتنا التي تغيّر الأمور، وتتسبب في دخولنا وكر الشرور، فاختصارًا أسوء بذرة من بذور الاكتئاب هي الاهتمام والانتباه المبالغ فيهما للمشاعر السلبية؛ فوجود تلك المشاعر صِحيٌّ جدًا، لكنَّ الانسحاق لها والنفخ فيها هو ما يفتح أبواب جهنّم.
هذه بعض النقاط التي خرجت بها من تجربتي التي أعتز بها كثيرًا:
_لا مفرّ من تجديد أسباب المعاش بالتساؤل يوميُّا: لماذا نحيا ونتعلم ونركب ونصعد وننزل...إلخ؛ قبل أن ننبذ الحياة وننتظر الموت بله معايشته برقود طويل وإباءٍ عن مغادرة السرير.
_حصافة الفكر/العقل ليست كافية لمواجهة الشرور وتقلبات المزاج، فبيئاتُنا مثلًا عامل في غاية الأهميّة.
_الحقائق تتعدد وتتبدل؛ وأن الجماعة ليست دائمًا على صواب.
_خير من قوّمت نفسك، وشر من قاومت كذلك!
ختامًا هل لكم تجارب مشابهة، وكيف خرجتم منها؟ أخبروني كذلك عن قناعاتكم حول المشاعر السلبيّة والرؤى المختلفة حولها.
التعليقات