كنت طفلاً متفوقًا في المدرسة، لكن أمام اللوح، كان الخجل يوقف كلماتي بلا رحمة. كنت أعرف الإجابات، لكن حين يوجه لي الأستاذ سؤالًا مفاجئًا، تتعثر عباراتي، وألجأ لسرد كل الاحتمالات بدل الحسم. هذا التردد كان مصدر معاناة، لكنه أيضًا معلم صامت، يعلمني الصبر والملاحظة والتفكير قبل الكلام.
والدي المثقف، الموظف الحكومي المرموق، كان يدرك طبيعة شخصيتي. لاحقًا فهمت أنه عانى من هذا الطبع في طفولته أيضًا. كان يعلمني بطريقة غير مباشرة أن أتعامل مع المدرسة كأنها مكان يسهل التحكم فيه، وأن أراقب العالم قبل أن أشارك فيه. كان يصحبني إلى سهرات رفاقه المثقفين، حيث أراقب وأستمع وأناقش لاحقًا. تدريجيًا بدأت أتحرر من الخجل، أستوعب فن الحوار، وأكتسب ثقة واقعية.
مع المراهقة، تحول خجلي أحيانًا إلى جرأة وقحة، أستهزئ أقراني وأتصرف بلا خوف، معتقدًا أن هذا جزء من الرجولة. كانت مرحلة ضرورية في نمو شخصيتي، لكنها لم تمنحني السلام الداخلي بعد.
مع تجاوز الثلاثين، بدأت بذور الخجل الاجتماعي تعود، أقوى وأعمق، خاصة في العلاقات العاطفية والاجتماعية. صدمت عندما وجدت أن زوجتي، التي كانت تقدّر حضوري المسيطر، تميل للعزلة، بينما أنا أحتفظ بمسافة بيني وبين الآخرين، غالبًا علاقات محدودة ومهنية. كلماتها الصريحة أثرت بي:
"أنت عشت حياتك بفائض من المبالغات والترف والترفيه، فلماذا تعزلنا عن العالم؟"
اليوم تعلمت أن أصالح نفسي. الخجل الاجتماعي لم يعد عائقًا، بل طاقة يمكن توجيهها للإنتاج والتفكير العميق. اكتشفت أن تقبل الذات وفهم طبيعة شخصيتي، وتحويل التردد والخوف إلى وعي وتركيز، هو ما يحوّل التجربة الشخصية إلى نتاج ملموس وملهم.
الخجل لم يختفِ، لكنه تحول من عائق إلى دافع، من خوف إلى إنتاجية، من صمت متردد إلى تفكير متأنٍ. أصبح سر قوتي المخفية التي أستثمرها في كل ما أفعله، وأعيش حياتي بوعي أكبر، وأكتب عن نفسي بحرية وأمانة.
التعليقات