أن تكون ابن الشهيد المقاوم، يعني أن تتلقى نبأ استشهاده - الذي طالما تخيلته وعشته مع نفسك محاولاً الاستعداد له مرغماً، فهو أمر لا محال آت في يوم من الأيام- فتتلقاه بثبات، وصبر، وصمود، وشموخ كما ينبغي لهذا المقام الرفيع الذي ناله الشهيد.. تحاول ألا يهتز طرفك، وألا تخور قواك.. فمن يقوى على استقبال نبأ فراق أبيه، معلمه الأول، وصديقه الصدوق، وملهمه للحياة، وسنده في الضائقات، دون انهيار ودون أن تضيق به الدنيا، ودون أن تخور قواه!! عندما تكون ابن الشهيد المقاوم، فأنت سره الذي سيعرفه الناس عنه، كيف كان وكيف عاش، وفيما قضى نحبه. سيبحث الناس عنه في كل كلمة تنطقها في سيرته وفي ذكره.. سيلجأون إليك يلتمسون أي شيء من ذكراه، حتى ولو كانت أبسط اشياءه الشخصية.. وسيخبرك آخرون أنهم تشرفوا بلقاءك والحديث إليك.. لكن لماذا كل هذا؟ ولم تصرون على أن تجعلوني في هذا الموضع، وتحملوني كل هذا الحمل الكبير؟ ثم سيأتيك الجواب من داخلك: أن هذا من شرف الشهادة وكراماتها التي يرفع الله بها مقام الشهيد.. وما أنت سوى رسول جئت لتبلغ الناس رسالته التي ضحى من أجلها بروحه.. فعليك تحمل الأمانة، دون أن تغتر بالمقام، فأنت في موضع التكليف لا موضع التشريف..

أن تكون ابن الشهيد، يعني أن تحدثك نفسك بأن عليك أن تبذل جهودا مضاعفة حتى تستحق مرافقته، وكي تقترب قدر المستطاع من منزلته التي رفعه الله إليها في الجنة، بعد أن سعدت بمرافقته في الدنيا.. ثم تعاود فتحدثك نفسك بأنك مهما فعلت فلن تستطيع الوصول إلى ما وصل إليه، مالم تقدم مثل ما قدم.. وأي عمل يبلغ به المرء عظيم أجر الجهاد والموت في سبيل الله!! فتكمل الحوار، وتطمّعك نفسك بأجره ومنزلته بأن تخبرك بأنك ستنال شفاعته، فأنت من أهله الأقربون، فتبقى معلقا بين آمالك وبين الحقيقة المغيبة في علم الله وحده..

كتبت هذه الكلمات في رثاء والدي الشهيد بإذن الله "جمعة عبدالله الطحلة"