بين الضغط والمنطقة الآمنة... أين يكمن التقدم؟

في رحلة الإنسان نحو التطور، يقف دائمًا بين حدّين متناقضين: ضغط يدفعه إلى أقصى قدراته، ومنطقة آمنة تحميه من الفشل. كلا الطرفين يحمل في داخله وجهًا للحكمة، ووجهًا للخطر.

الضغط، حين يكون محسوبًا، قادر على أن يوقظ طاقات لم تكن لتظهر في الظروف العادية. كثيرون لم يكتشفوا مهاراتهم الحقيقية إلا تحت وطأة موقف حاسم، أو تحدٍ فرض نفسه بقوة. في تلك اللحظات، ينكشف المخزون الحقيقي للإنسان، ويولد الإبداع من رحم التوتر. لكن الأمر ليس بهذه البساطة دائمًا، فالضغط ذاته، إن لم يُحسن التعامل معه، يتحول إلى عبء ثقيل، يقود إلى الإرهاق، وربما إلى الانهيار.

في المقابل، يجد البعض الراحة في البقاء داخل منطقة الأمان. يختارون تكرار ما يعرفونه، ويبتعدون عن المجازفات. قد يظنون أن ذلك ذكاء، لكنهم بمرور الوقت يكتشفون أن هذا التكرار لا يبني خبرة حقيقية، بل يسجنهم في دائرة ضيقة. فالعشر سنوات من العمل الرتيب، ليست خبرة تراكمية بقدر ما هي يوم واحد يتكرر بأمان ممل.

وما بين أولئك الذين يغامرون بلا حساب، وأولئك الذين لا يتحركون خطوة خارج حدودهم، تبرز الحاجة إلى التوازن. فالدخول في مخاطرات غير مدروسة ليس شجاعة، بل تهور. كما أن التراجع في بعض المواقف لا يعني الضعف، بل هو ذكاء يُجنّبنا خسائر لا طائل منها.

إن الحكمة ليست في خوض المعارك كلها، بل في معرفة متى نخوضها، وكيف. وإن كنا مجبرين أحيانًا على تحمل الضغط، فليكن ذلك في سبيل هدف واضح، وعائد مجزٍ، وبأقل قدر من الخسائر.

فبين منطقة الراحة والمخاطرة، لا يصنع التقدم إلا من يُتقن الحساب، ويعرف متى يندفع، ومتى يتراجع.

فأين تقف أنت في هذا الميزان؟