في العديد من الشركات، يمكن أن يحدث تراجع في حماس الموظفين خلال مراحل معينة من المشاريع الطويلة. وفقًا لدراسة حديثة أجرتها مؤسسة جالوب، تبين أن 85% من الموظفين غير متفاعلين أو غير ملتزمين بعملهم، مما يؤثر بشكل مباشر على إنتاجيتهم وأداء الشركة بشكل عام. هذا التراجع في الحماس يظهر بشكل خاص في المشاريع الطويلة التي تتطلب التزامًا مستمرًا ومرونة عالية. السؤال هنا: كيف يمكن للشركات إدارة هذا التراجع وضمان استعادة الحماس لدى الموظفين في مثل هذه الحالات؟
كيف يتم إدارة الموظفين الذين يعانون من فقدان الحماس في منتصف مشاريع طويلة؟
من أهم الأشياء التي أراها تعيد الحماس للموظفين هي الاحتفال بالإنجازات مهما كانت صغيرة! عندما كنت أعمل كمعلمة في إحدى مدارس الهند الكبرى لاحظت اهتمامهم بأدق تفاصيل الموظفين والمعلمين، لدرجة أنهم كانوا ينشرون البهجة والحماس بينهم بطرق أكثر من رائعة، على سبيل المثال لا يكتفون بعمل حفلات للإنجازات الكبيرة فقط، بل يحتفلون بالإنجازات الصغيرة أيضًا بما في ذلك أعياد الميلاد، ولا يأخذ ذلك الكثير من الوقت، فقط نصف ساعة يتجمع فيها المعلمين والموظفين للاحتفال وبعدها ينصرف كل منهم إلى عمله، ولا أستطيع أن أصف لك مدى سعادة المعلم الذي يتم الاحتفال بنجاحه في تحقيق هدف أسبوعي أو شهري أو حتى بيوم ميلاده، إذ يعود إلى عمله بعدها بكامل حماسه على استعداد للعمل لأطول فترة ممكنة دون الشعور بالملل.
كيف يمكن لاستراتيجية بسيطة مثل هذه أن تحقق سعادة كبيرة! يا لها من طريقة فعالة على رغم بساطتها، عن نفسي سأضعها في عين الاعتبار لأنه فعلا الرسالة البسيطة وخاصة الغير مرتب لها بصورة كبيرة يكون تأثيرها على أنفسنا كبيرة.
ذكرني حماسك يا حمدي باستراتيجية بسيطة كنا نتبعها إذ كنا نلعب في الفريق لعبة سيكريت سانتا خصوصا في المشاريع الطويلة التي تتطلب ضغطا وربما صراعات بحكم متطلبات العمل إذ كنا نضع أظرف في صناديق وعلى كل ظرف اسم صاحبه ونضع له فيه هدية صغيرة ومعها رسالة محفزة. حقيقي كان آخر يوم في المشروع عندما نفتح هذه الصناديق ونقرأ الرسائل تكون عادة أيام لا تُنسى.
ندرس هذا بالفعل يا بسمة في مقررات العلاقات العامة في الجامعة لكن لا أفهم لماذا للأسف لا تلتزم معظم إدارات العلاقات العامة في الشركات بتطبيق هذه الاستراتيجية؟! ربما لقلة الميزانية المخصصة أو ربما لأنهم ينسون مفاهيم وحتى أخلاقيات كثيرة تلاشت وتبخرت في الحياة العملية.
لكن في رأيك ما هي الاستراتيجيات الأخرى التي يمكن لشركة مثل شركتي اتباعها مع المستقلين عن بُعد خصوصا وأن هناك بُغد جوغرافي كبير بيننا؟
لا أعرف طبيعة مشروعك، لكن أرى أن منهجية الإدارة نفسها تؤثر بشكل مباشر هنا، فمثلا منهجية أجايل بالمشاريع الطويلة مفيدة جدا وكذلك اسكرام إن كان يناسب طبيعة المشروع، كلاهما يوفران تواصل مفتوح بين الفريق، وتقسيم المهام بطريقة ممتازة، بجانب التغذية الراجعة من قبلكم والتكيف مع التغييرات، مما يجعل الموظفين هنا يشعرون بأنهم جزء من المشروع، ويزيد من إنتاجيتهم وارتباطهم بالعمل بعد التأكد طبعا من وضوح الأهداف بالبداية بالنسبة للفريق حتى لا يشعر بالتشتت
فمثلا منهجية أجايل
فعلاً، منهجية أجايل تعتمد على تقسيم المشاريع إلى مراحل قصيرة ومتكررة تُعرف بالـ"سباقات"، حيث يتم تسليم أجزاء من المشروع بشكل تدريجي. هذا يسمح بفحص النتائج وتعديلها بناءً على التغذية الراجعة المستمرة من الفريق والعملاء. تركز أجايل على التعاون الوثيق بين الأعضاء والتكيف السريع مع التغييرات، مما يجعلها مثالية للمشاريع التي تحتاج إلى مرونة وتفاعل مستمر مع المتطلبات المتغيرة.
وكذلك اسكرام
وأيضا منهجية سكرام تعتمد على تنظيم العمل في "سباقات" قصيرة تُعرف بالـ"سبرنتس"، حيث يركز الفريق على تحقيق أهداف محددة خلال فترة زمنية قصيرة. يتم تقييم النتائج بشكل دوري خلال اجتماعات مراجعة، مما يتيح إجراء التعديلات اللازمة بناءً على التغذية الراجعة. تركز سكرام على تعزيز التعاون والتواصل بين أعضاء الفريق وتوفير وضوح حول تقدم العمل، مما يساعد على التعامل بمرونة مع التغييرات وتحقيق نتائج فعالة في بيئات المشاريع الديناميكية.
لكن يجب أن ننتبه إلى أن التركيز المفرط على هذه المنهجيات قد يؤدي إلى إغفال جوانب أخرى هامة مثل الاستقرار والوضوح الاستراتيجي طويل الأمد. في بعض الأحيان، قد يكون هناك خطر من أن التحسينات المستمرة والتعديلات يمكن أن تخلق حالة من الفوضى أو تزيد من تعقيد المشروع، خاصةً إذا لم يكن هناك تحديد واضح للأهداف والنتائج النهائية.
فعلاً، تقسيم المشروع إلى أهداف صغيرة مع صرف مكافآت صغيرة يمكن أن يكون فعالاً، ولكن هناك دراسات حالة توضح بعض التحديات. على سبيل المثال، شركة تويوتا اعتمدت على أسلوب التحسين المستمر، حيث كانت تقسيمات الأهداف الصغيرة وتحقيق مكافآت على تحسينات تدريجية من العوامل التي ساعدت في تعزيز الجودة والكفاءة. رغم ذلك، واجهت الشركة تحديات في التنسيق بين الأقسام وضمان أن التحسينات الصغيرة لا تتسبب في تكرار الجهود أو تعارض مع الأهداف الاستراتيجية الكبرى.
كذلك، شركة جوجل استخدمت نظام الأهداف الصغيرة المعروف بـ OKRs، حيث كان التركيز على تحقيق أهداف محددة وقياس تقدمها بانتظام. رغم أن هذا النظام كان مفيداً في تعزيز الابتكار، إلا أن التركيز المفرط على الأهداف الصغيرة أحياناً أدى إلى ضغط كبير على الفرق، مما أثر على جودة العمل وأدى إلى الإرهاق.
كيف يمكن للشركات إدارة هذا التراجع وضمان استعادة الحماس لدى الموظفين في مثل هذه الحالات؟
هل تعرف المتلازمة الاجتماعية التي تفترض أن الناس إذا كانوا في فرق أو جماعات وكان هناك موقف يجب عليهم حمل المسؤولية فيه فإن احتمالية أن يتقاعسوا عن حمل المسؤولية يزيد؟ لا أتذكر اسمها الآن.
أعتقد أنه يمكن تطبيقها هنا خصوصًا إذا كان هناك عدد كبير من الأفراد بالفريق. يمكن للقائد أن يحل ذلك عن طريق إدارة اجتماعات فردية مع كل عضو بالفريق على حدة وإشعاره بالدور الذي يقوم به والتأكيد على أهميته،.. بث هذه الروح في الفريق أمر مهم.
تحديد السبب الجذري، يجب أن تحوم وتسأل وتراقب حتى تلتقط السبب الكامن وراء هذا الأمر، قد يكون إرهاق وقد يكون لإنك لا تعطيهم أهداف واضحة بتعليمات واضحة، أو لإنك ببساطة تثقلهم بالكثير من المهمات بدون أي تقدير، معرفة السبب الجذري هو الذي سيحدد الحل برأيي.
يعني باختصار قيّم رضاهم عن العمل دائماً باستمارات واضحة ومفصّلة ومجهولة، بحيث لا تعرف من يكتب لك هذه الملاحظات، أو قم بخوض محادثات جادة معهم وصادقة، أنت قل لهم مخاوفك وهم أيضاً اسمعهم وشجعهم على الكلام.
وقبل كل ذلك أنصحك من تجربتي أن تقسّم كل مشروع لمهمات صغيرة وتختبر هذا الأمر، بحيث تعطيهم قطعة كل فترة قصيرة لينتهوا منها مع التقدير المستمر لهم والسرعة والكفاءة التي يقومون بها بالعمل.
بصراحة لا أستطيع أن أكن لهم أي تعاطف فيما يتعلق بفقدان الشغف، أنت موظف وأنا صاحب مشروع، أنا عرضت وظيفة وأنت طلبت أجر فلماذا تقصر ؟
أرى أن فرض نوع من الغرامات على تأخير المهام أو عدم تنفيذها بصورة صحيحة سيعالج الأمر، ربما هو حل قاسي ولكنه مؤثر.
بالرغم من أنني أرى تلك النسبة مبالغ فيها (على أن يصبحوا غير متفاعلين أو ملتزمين! ) ولكن على كل يجب على الموارد البشرية والإدارات أن تسعى للتنوع وقتل الروتين في المشاريع الطويلة بالإضافة لإقامة فعاليات وأنشطة تزيد من بهجة وتحفيز الفريق والمشاركة حتى بالأنشطة الفردية مثل المناسبات الخاصة وأيضاً بالطبع المناسبات العامة كالأعياد.
التعليقات