يقول المثل الجزائري "اعطيهولي فاهم الله لا قرا"، بمعنى أن على الشخص أن يكون ذكيا حسن التعامل مع الناس، عوض أن يكون دارسا مثقفا، وهو مثل قيل في فترة استعمار، كان فيها الوصول إلى التعليم شبه مستحيل بالنسبة للجزائريين، وكان محصورا على الأغنياء منهم، أو على من لدى أهاليهم علاقات مشبوهة بالمستعمر.

لم أكن أتوقع أن يصبح لهذا المثل كلمته في وقتنا الحاضر وعلى المستوى العالمي، بل وبين المتعلمين أنفسهم، فضلا عن حصر النجاح المطلق والغنى في التوقف عن الدراسة.

لاحظت من خلال تصفح الإنترنت يوميا ومن خلال قراءة السير الذاتية لأكبر رواد الأعمال أن هنالك تركيز على نقطة توقف هؤلاء عن الدراسة في مرحلة ما من حياتهم. هذا منشور على فيسبوك يقول "ليس عليك أن تكون متعلما لتصبح غنيا" وآخر يقول "الجامعة لن تعلمك كيف تصبح غنيا" وثالت يقول "الدراسة تعطيك وظيفة والفكرة تعطيك ثروة". والحق أنني أرى في هذا ابتذالا كبيرا وتسطيحا لسنوات من جهد هؤلاء المشاهير، وتلاعبا بمشاعر القراء، والأهم من ذلك، فهنالك العديد من المغالطات المنطقية.

أولى المغالطات هي الاستناد على احتمالية الوقوع، وهي التسليم بحدوث أمر ما، لا لشيء سوى لأنه من المحتمل أن يقع، فمن المحتمل أن تدرس وتكون رائد أعمال ناجح، كما من المحتمل ألا تدرس وتنجح أيضا.

ثاني مغالطة هي التعميم، فالتركيز على جزئية توقف أحدهم عن الدراسة يجعلنا نعتقد أن كل رواد الأعمال الذين لم يكملوا تعليمهم أصبحوا في مستوى ستيف جوبز، غير أننا لم نسمع إلا عن هؤلاء، ولا نعرف العدد الهائل لمن فشلوا في بداية مشوارهم.

يذكرني هذا بأولئك الذين يعتقدون أن ممارسة طفل ما لكرة القدم قد تجعله غنيا في المستقبل، رغم أن دراسة حالة بلدي يمكنها نسف هذا الادعاء، فمن أصل أكثر من 25 ألف لاعب من صنف الأكابر ينشطون في أزيد من ألف فريق في الجزائر، لا يوجد سوى 739 لاعبا محترفا في 32 فريقا.. هؤلاء فقط هم الأغنياء المشاهير، وهم 2,95% فقط من إجمالي اللاعبين الأكابر، دون ذكر هؤلاء الذين لم يصلوا لهذا الصنف لسبب من الأسباب، وما أكثرهم.