كثيرًا ما ألاحظ نمطًا من التفكير يبدو في ظاهره عقلانيًا ومتوازنًا، لكنه في حقيقته نوع من الحياد المزعج والمخادع. يقرأ أحدهم عن أضرار وسائل التواصل الاجتماعي، التي لا تُعد ولا تُحصى، ثم يتنهّد بثقة ليقول جملته الحاسمة:

"صحيح أن السوشيال ميديا مضرة، لكن الحل ليس في تركها تمامًا، بل في تعلّم كيفية استخدامها."

ومثال آخر يتكرر مع السكر، بعد أن يطّلع شخص على أضراره الصحية المؤكدة، من السمنة إلى السكري وحتى بعض أنواع السرطان، فيقول:

"صحيح أن السكر مضر، لكن لا داعي للإقلاع عنه، فقط نحتاج إلى التقليل منه."

هذه الطريقة في التفكير منتشرة بكثرة، وتقوم على رفض اتخاذ قرار جذري بالترك، حتى عندما تشير الأدلة العلمية والعقلية إلى أن الضرر غالب على النفع، وكل ذلك باسم "الاعتدال" أو "الاستخدام الواعي".

لكن الحقيقة أن ليس كل شيء يُصلح بالتقنين، وأن من بديهيات التفكير الناضج أن نُدرك أن الحياة ليست أبيض أو أسود، نعم، لكل شيء منافع، لكن هذا لا يعني أنه يستحق البقاء في حياتنا.

عندما حرّم الله تعالى الخمر، لم يُنكر أن لها منافع. بل قال:

﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} البقرة: 219

هذا هو المعيار الذي نحتاجه:

هل نفع الشيء أكبر من ضرره؟

إن كان الجواب لا، فالمنطقي هو الترك. لا لأننا مثاليون، بل لأننا عقلاء.

لا تخدع نفسك. لا بأس أن نعترف أننا أحيانًا أضعف أو أقل عزيمة من أن نترك شيئًا مضرًا. هذا اعتراف صادق، ولا يُعيب أحدًا، لكن أن نتمسك بالشيء الضار ثم نُبرّره بأنه "له منافع" دون ميزان عقلي حقيقي، فهذه خدعة نمارسها على أنفسنا.

إما أن نكون شجعانًا ونتخذ موقف الترك، أو على الأقل نكون صادقين مع أنفسنا في أننا نعلم الضرر لكننا نُقدّم الراحة على المبدأ.