الحدود بين العوالم، ظاهرها حدٌّ يفصل، وباطنها تشابكٌ يعانق. هي كظل الجبل: ثابت في جوهره، متغير في مظهره، يختلف باختلاف زاوية الشمس وعين الناظر.حتى إذا حاولنا رسم هذا الظل، اكتشفنا أن لغتنا فرشاةٌ ناقصة، لا ترسم إلا ما سبق لنا أن رأيناه. فهل نلوم الفرشاة، أم ندرك أن العين نفسها تحتاج إلى أن تتعلم رؤية الضوء قبل الظل؟

أليست حدودنا أيضًا تنتظر عينَ راصدها كي تتشكل؟

تلك الحدود التي نخلقها، لنكتشف في النهاية أنها كانت مرآةً لأنفسنا طوال الوقت. فهل يكمن الحل في تغيير الأدوات؟ أم زاوية الرؤية؟ أم في فهم أن الظل والجبل وجهان لعملة واحدة؟

الشفق جملةً هو حَدٌّ يفصل بين حالين، وتفصيلًا هو عالمٌ صغيرٌ بما يحويه من متداخلاتٍ وتشابكات. فهو ظاهريًّا فترةٌ عابرة، لكنه يحمل في طيّاته الكثير من المتناقضات... مزيجٌ من نهاية صخب النهار وبداية سكون الليل، بين وضوح الضياء وغموض الظلام، في انتقالٍ تدريجي بين نهايةِ قصةٍ وبدايةٍ لأخرى جديدة. وإذا تأملته، تتساءل: هل الشمس قد خَضَبَتْهُ بأشعتها، أم خلَّت به دماءها المهرَقة؟

فكيف له أن يضمَّ بين جناحيه الفرحَ والحزنَ في آنٍ واحد؟ وكيف يتعانق الضدان في حضوره؟ أهي نقطةُ التجاوز الهيغيلية حيث يلتقي العالمان في تناقضهما لينتجا واقعًا جديدًا، أم هو الشرط الكانطي لإدراك الثنائيات، وبالتالي فهو شرطٌ مسبقٌ لإدراك العالمين معًا

إذن فالحدود ليست حواجزَ سلبية، بل هي فاعلةٌ في تعريف المتناقضات. فالحَدُّ بين الوعي واللاوعي - مثلًا - ليس حاجزًا جامدًا، بل هو ما يخلق التمييزَ بينهما، ويُعرِّف كليهما. لذلك أرى أن أكثر المتناقضات والمترادفات تقع في تلك المنطقة البينية بين العوالم، حيث يكمنُ سِرُّ الطبيعة البشرية. ولا أجد أعظمَ من وصف الله عز وجل لهذه الثنائية: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}. فهو أعلمُ بنا من أنفسنا.

ارحب جدا بالنقد والتوصيات لكتابة افضل🤍