نشأ الحب بسبب توافقنا الفكري، الآن تغيّرت أفكاري، ماذا يجب أن أفعل؟

التوافق الفكري لا يعني التطابق، بقدر ما يعني نفس المستوى الثقافي المعرفي، نفس التوجهات والرؤى، ولكن هذا لا يلغي الاختلاف في التفاصيل وطرق التفكير.

الاختلاف ضروري ومرغوب في الحياة، ليكون هناك تفاعل ونقاش، إلا أنه في الجانب الآخر يفرض علينا تقبل الاختلاف، واحترام الرأي المقابل، وضرورة استدامة الحوار ليس بالضرورة سعيا لإلغاء الاختلاف، ولكن منعا لتطوره إلى خلاف، استنادا إلى المقولة "الاختلاف لا يفسد للود قضية"

لا أظن أن التوافق الفكري ضروري في الحب من الأساس، والدليل أنك قلت بأنه مازال يُكن لها مشاعر الحب رغم اختلاف الأفكار، فالاختلاف في العلاقات ضروري وموجود وحتى على أبسط المسائل اليومية، فلا يمكن أن يكون توافق تام في كل المسائل، فوجهات النظر تختلف (السياسية، الدينية، الاجتماعية ...) وإذا كان اختلافهما على مسائل خارجية لا تمس العلاقة بينهما مثلا فالحل هو تفادي طرح تلك الأفكار من الأساس في النقاش بينها، أو محاولة تفهم وجهات نظر الأخر بشيء من المرونة في التفكير.

في تقديري لايعاب المرء في شيء إن هو غير قناعاته وأفكاره "للأفضل"، بسبب تراكم الخبرات ونضج الوعي أو حتى لمرور خطوب الزمان عليه، بل هو دليل دامغ على أنه إنسان حي وغير طفولي في فهمه، فمثلاً مهما زاد اطلاعه في النحو لايزال هناك كلمات لايفقه إعرابها ورغم انتهاء الموسم وتجاوزه الثلاثين والأربعين من عمره لاتزال معظم ثمار علمه وعمله لم تنضج بعد.

الرجل والمرأة على حد سواء إن كان لهم مفاهيم ثابتة وحس ضيق ومغلق فهو دليل ذهن ميت وهو من يقال عن رحلته في الدنيا "كما جاء رحل"، وكذلك حبهما إذا كان ثابتاً في شكله ومغلقاً غير قابل لتتمدد والتغير فإن حاله أن يرحل كما جاء.

أتت الأديان لتساعد البشر في فهم الغيبيات، واتت معها آلاف الإشارات والمناهج والقصص انصحك بأن تنصحه بأن يتريث مبدئياً فقد علمنا الدين بأن الحب "عقدة" تشتد وتنحل، تفتر وتتقد وربما يكون الأمر مجرد فتور، الكلمة الطيبة والقول الكريم ربما يعيدان المياه إلى مجاريها بمرونة فكرية وليس توافق فكري.

طبيعي أن يأتي التغيير والنضج بعد الحب، هناك آية لا أعلم إن كان استشهادي بها في محله ولكنها تبادرت في ذهني

" وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي"

المحبة أتت قبل كل شيء، ثم التغيرات والأحداث والمواقف.

وعلى فرض أن هذه التغيرات شديدة جداً فربما تكون اشارة بأن هذه العلاقة لاخير يرتجى منها، وبرأيي ... لا يشفع للحب أن يكون عائقاً بين الإنسان وإصلاح نفسه.

بالنسبة لي أرى التوافق في الآراء الكبيرة أو الخطوط العريضة أمر يضيف للزوجين ويدعم ارتباطهما ببعضهما ويعزز الحوار بينهما، حتى إني أرى مراعاة تلك النقطة في الارتباط من البداية فيها وقاية من الصمت الزوجي الذي يحدث بين كثير من الأزواج والزوجات، يعني هو أمر صحي ويبشر بعلاقة جيدة، بعد ذلك نأتي لمسألة الآراء التفصيلية أو القضايا غير الحاسمة، فلا مشكلة أبدًا في الاختلاف فيها، بل على العكس هي تثري الحوار بين الزوجين وتبادل الآراء. من هذا المنطلق في حالة صديقك، ما دام أنه بنى تلك العلاقة على التوافق التام في الآراء كأولوية -حتى لو كان هناك خلاف على منطقية هذا المعيار، لكنه بالنسبة له هو أولوية لدرجة أنه اكتفى على قمة معايير اختيار الشريكة، فعليه أن يتصارح مع الطرف الآخر حول ذلك، للوقوف على أسباب الخلاف في وجهات النظر، ويحدد الآراء التي يختلفون فيها ويقيمها، هل هي بالفعل مصيرية بالنسبة له أم هي تقع تضمن التفاصيل التي يمكن التغاضي عنها وليس عليه أن يتشدد حيالها.

التوافق الفكري بالنسبة لي هو النقاش الفعال لاختيار الرأي الأفضل في حالة من الحب والاحترام، وليس محاولة كل طرف إثبات أن رأيه أو تفكيره هو الأفضل، فعادة ما ينتهي هذا الأمر بالخلافات التي ليس لها آخر، والشكوى في نهاية المطاف بأنه لم يعد هناك توافق فكري!

الأمر لا يؤخذ على هذا النحو إطلاقًا، لا بد أن يحاول كل منهما أن ينظر بعين الآخر ليرى الجانب المميز الذي دفعه لبدء العلاقة في السابق وسيجده موجودًا كما هو لم يتغير أبدًا، ووجهة نظري أن قيامه بسؤالك عن ما يجب عليه فعله ما هو إلا مجرد حجة لتبرير الشعور بالملل من العلاقة أو تمهيد لتركها مما يعني أنه لم يكن حبًا صادقًا من البداية، لأنه لو كان كذلك سيدرك ما عليه فعله جيدًا وسيبذل قصارى جهده لتقريب المسافات بينهما.

كما تعرف ضياء فإن الأقطاب المتشابهة تتنافر والمختلفة تتجاذب، ورغم ان هذا المبدأ لا يمكن تطبيقه مباشرة على العلاقات الانسانية إلا أنني اعتقد بأنه قريب من الواقع كثيرًا، فالتوافق ضروري ولكن في الاساسيات وليس مطابقة تامة في جميع وجهات النظر ولا حتى تقارب بنسبة كبيرة، فمثلًا قد يحب هو كرة القدم وهي لا تحبها لكن لا مانع لديها من مشاهدته المباراة وتلك ليست مشكلة بالمناسبة. تستمر العلاقات بالشد والجذب والتراخي بالتبادل بين الطرفين، مهما كان كل منهما متوافقين فلابد مع النضج واستمرار الحياة وتزايد المسئوليات أن تختلف نظرتهم للأمور وهذا طبيعي ومؤكد ولن يخبرك أحد بأنه لن يحدث.

بدأت العلاقة بناءً على هذا الأمر بالتحديد

لا يجب أن يكون هذا فقط هو اساس العلاقات، فأغلب تلك العلاقات تنتهي بمواجهتهم الواقع، بل ينبغي ان يترك كل منهما مساحة لحرية الرأي وان يتقبل أي اختلاف او تغيير بصدر رحب بتفاهم، فأساس العلاقات هو الود والشعور بالمسئولية تجاه الآخر، ماذا سيفعل صديقك ان أصبح عنده بيت واولاد ومصاريف ووظيفة اولى وثانية، هل سيطبع كل ظروفه بطابعه وشخصيته ام سيواكب تلك التغيرات؟

ما دام الحبّ موجودًا بينهما، فمن المهمّ أن يتفهّم كلّ منهما الإختلافات الموجودة وتقبّلها بصدرٍ رحب، وتقبّل أنّ وعي كلّ منهما يزداد يومًا بعد يوم.

وليس من الضّروري أبدًا أن يكون التّوافق مئة في المئة.

نعم، هناك بعض الأمور الأساسيّة في الحياة الزّوجيّة مثل الحبّ والاحترام والثّقة.

أمّا الأمور الّتي ذكرتها في سؤالك كالسّياسة والرّياضة والطّعام المفضّل. فهي ليست من الأشياء المصيريّة الّتي تسبّب المشاكل في حال اختلاف الآراء فيها.

في مثل هذه الحالات، من المهم أن يتعامل صديقك مع التغييرات في الآراء والتوافقات الفكرية بطريقة ناضجة ومفتوحة. العلاقات تقوم على الاحترام المتبادل والتواصل الفعّال، وليس بالضرورة على التوافق في كل الأمور. يجب أن يتحدث مع شريكته بصراحة عن التغيرات التي لاحظها وكيف يشعر حيالها، حيث يساعد الحوار المفتوح في فهم وجهات نظر بعضهم البعض وتقليل سوء الفهم. كما ينبغي أن يكون مستعدًا للاستماع لشريكته وفهم الأسباب التي دفعتها لتغيير آرائها، فالتفاهم والاحترام يمكن أن يبنيا جسرًا للتفاهم المتبادل. بدلاً من التركيز على الاختلافات، يجب البحث عن القيم والمبادئ المشتركة التي ما زالت تجمعهما، حيث أن القيم الأساسية مثل الاحترام، الحب، والإخلاص هي التي تقوي العلاقة. العلاقات الناجحة تحتاج إلى قدر من التكيف والمرونة، فالتغيير جزء طبيعي من الحياة والنمو الشخصي، ويجب أن يكون مستعدًا لقبول هذا التغيير والتكيف معه. من المهم أيضًا تحديد ما إذا كانت هذه الاختلافات تؤثر على الأمور الأساسية في العلاقة أم أنها مجرد تباينات في الآراء يمكن التعايش معها. في حال كانت الاختلافات تسبب توترًا كبيرًا ولا يستطيعان حلهما بمفردهما، يمكنهما التفكير في طلب مساعدة من مستشار علاقات أو معالج نفسي. علاوة على ذلك، يجب تذكير نفسيهما بالأسباب التي جمعتهما في المقام الأول، والتركيز على جوانب العلاقة التي ما زالت تجلب السعادة لكليهما. بصفة عامة، من الطبيعي أن تتغير الآراء مع مرور الوقت والنضج، والمهم هو كيفية التعامل مع هذه التغييرات والمحافظة على جوهر العلاقة من خلال التفاهم والاحترام المتبادل والعمل معًا للتغلب على التحديات.

على الرغم من أهمية التوافق الفكري إلا أنّه ليس العامل الوحيد إذ أنّ الانجذاب في كل النواحي هو الأساس والانجذاب الفكري لا يشترط وجود التوافق الفكري دائمًا، وإن كان الاختلاف الفكري لا يخلق مشكلات تؤثر سلبًا على حياتهما فلا ضرر في ذلك.