على الرغم مما قدمته التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي من خدمة كبيرة للإنسانية في العصر الحديث، وطفرة في شتى المجالات، إلا أنني أقف حائرًا تجاه كل هذا التقدم التقني!

فهي كما قربت عليك المسافات وجعلتك تتواصل مع العالم من حولك وحولته إلى قرية صغيرة، بل ربما غرفة، بل لا أبالغ إذا قلت: أن العالم كله أصبح بين يديك!، لكن مع ذلك ربما أبعدتك عن أقرب الناس إليك، تتواجد الأسرة في البيت الواحد وفي المكان الواحد لكن ربما يكون بين الواحد والآخر أميال وفراسخ، فهذه القطعة الصغيرة بحجم الكف قد ابتلعت صاحبها وجعلته يستغني بها عمن حوله وإن كانوا أقرب الناس إليه، فربما لا يسأل والد عن ولد ولا زوج عن زوج، ولا جار عن جار، ولا راع عن رعية، إذا عرفت هذا فدعني أتساءل قليلًا! ألم تقرب هذه التكنولوجيا والتقنيات الحديثة لك البعيد ؟ ألم تختصر عليك الوقت ؟ ألم تكسبك الراحة ؟ ألم تنجز لك الأعمال في وقت أقل وجودة أعلى ؟ ألم، ألم، ألم ؟ فعلًا إنها حقائق! يا لها من نعم كثيرة، وآلاء غزيرة!

وإذا نظرت إلى ما أحدثته هذه التقنيات من طفرة في تغيير وجه العالم إلا أنها لم تستطع أن تغير من طبائع البشر نحو الأفضل، بل ربما العكس هو الصحيح، فحينما تنظر إلى هذا الكم من النفايات، وهذا التغير في المُناخ، وهذا القلق في الأصوات، وهذا الذعر في الضوضاء، وهذا الدمار في الحروب، وغير ذلك الكثير؛ أضرار لا يحصيها العد جراء استخدام هذه التكنولوجيا الفائقة؛ فلأجل تخزين المعلومات، والاتصالات عن بعد، والتطبيقات وغيرها من البرمجيات، ربما يقول أحدهم يا أخي لقد نكأت جُرحًا كان قد التأم، ولكن دعني أسألك سؤالاً ، أليس هذه الموبايل وهذا الحاسوب عند كثير من الناس هو مصدر رزقهم وصميم عملهم؟ ألا تريد منهم أن يعملوا ويتكسبوا ويتعففوا ؟

ألا تعلم أن العالم في طريقه نحو التحول الرقمي بالكلية؟ وكثير من الدول والمؤسسات اعتمدت على هذه التكنولوجيا كعامل أساسي لإنجاز مهامها ؟ أتنكر هذا؟ ثم رماني ببيت شعر:

قد تُنْكِرُ العينُ ضَوءَ الشمسِ مِنْ رَمَدٍ

ويُنْكِرُ الفَمُ طَعْمَ المَاءِ مِنْ سَقَمِ

وأنا أقول له يا أخي تفهم وجهة نظري أنا لا أنكر التقدم والتطور وقد استفدت منه، فأنا وقت كتابتي هذه الكلمات أكتبها بواسطته، ولكنني أنعى حظ الإنسانية التي صنعت آلات تقدمية طورت من معيشتها، لكنها عجزت أن تطور من قيمتها!.