انتشرت في الثمانينات متلازمة بين أفرد المجتمع تُسمى بمتلازمة الذاكرة الزائفة
ولنفهم ما تعنيه هذه العبارة دعوني أقصّ عليكم قصة ميريديث.
ميريديث ماران هي صحفية وروئية أمريكية، اختارت في الثمانينات -من بين الآلاف المواضيع- أن تكون صحفية نسوية. أي أن نشاطها يستهدف النساء ويركز على ما تعرضن له من اساءة وعنف وتمييز... إلى آخره.
ووجهت قلمها ليكتب أكثر عن الإساءة الجنس/ية التي يتعرض إليها النسوة والأطفال في المجتمع الغربي... وكانت مثل هذه الحوادث كثيرة، بل كثيرة للغاية... جلست ميريديث فترة كبيرة وهي تستمع لقصص النساء والفتيات اللواتي يتم استغلالهن، وكان أكثر ما يزيد من قصتهن وجعا أن هذه الإساءة تعرضن إليها من طرف الأقارب.
والآن دعوني ألخص لكم حياة ميريديث الخاصة في تلك الفترة، كانت قد تطلقت بعد زواج دام لسنوات ولا تزال تحاول العثور على شخص يحتويها وينسيها ألم تلك التجربة، لكنها لم تفلح في العثور على أي رجل يفهمها، بداية من والدها الذي كانت تجمعها معه علاقة معقدة ممتلئة بالمشاكل.
قررت ميريديث زيارة طبيب نفسي لتتعالج ولعلها تجد الوسيلة لتتغلب على هذه المعاناة.
وحين استمع الاخصائي النفسي لما تقوله، قرر مباشرة أن يستعمل أسلوبا انتشر في فترة الثمانينات وهو ما أطلق عليه المعالجة بالذاكرة المكبوتة، حيث يقوم هذا النوع من العلاج على تنويم المريض مغناطيسيا وتركه يغوص في أعماق ذاكرته ليتذكر الواقعة التي تحول بينه وبين سعادته.
أكثر من جلسة ولازالت ميريديث لم تستنتج ما سبب حزنها، وفي أحد الأيام وبينما يمارس عليها المعالج طقوسه، تذكرت ميريديث تلك الحادثة الاليمة، إنها تقول أن والدها قد اساء إليها جنس/يا وهي صغيرة... وذهبت تزف الخبر إلى أفراد أسرتها، وواجهت والدها الذي استقبل اتهامها بالانكار والرفض... هنا انقسمت عائلة ميريدث منهم من صدقها ومنهم من عزز ثقته بالأب...
وبعد سنوات وفي ليلة تشبه ليلة الثمانينات، اكتشفت ميريديث أن أقرب شخص إليها قد خانها.. لقد خانت نفسها... بل لعل ذاكرتها من خانها وكذب عليها، فالحقيقة التي اكتشفتها ميريديث هي أن والدها لم يسئ إليها ولا مرة، وقد كان بريئا فعلا.
اكتشفت ذلك بعد فوات الأوان، عائلها تفككت نهائيا، ووالدها اقترب من فراش الموت.
الآن دعوني أخبركم ما حدث:
لقد اعتمد الاخصائي النفسي في علاجه على الذاكرة وهي عضو لا يمكن التنبؤ بأفعاله، إنها متقلبة وتتأثر بالمشاعر وبما يحيط بحياة صاحبها، لقد كانت ميريديث متأثرة بما حدث لأولئك الصغار الذين تعرضوا للإساءة، وفي نفس الوقت كانت علاقتها مع والدها في تراجع ومشاعرها نحوه سلبية، فاخترع دماغها هذه القصة من وحي ما وجد من معطيات ليهيأ لها أسباب الخلاص.
هذه القصة لم تحدث مع ميريديث فقط، فكما بدأتُ لكم القصة، إنها حكاية شعب بأكمله ملايين من الناس تأثروا بهذه الطريقة حتى أطلق على لنتائجها اسم متلازمة الذاكرة الكاذبة، أحيل كل معالج اعتمد على هذه الطريقة إلى المحكمة وتم سحب الرخص منهم..
يقول مارك مانسون مؤلف كتاب فن اللامبالاة بعد هذه القصة
علمت أن ذاكرتي تتأثر بالمشاعر من الهدية التي أهدتها إلي شقيقتي، ففي اليوم الذي حدث ذلك شعرت بالسعادة من الهدية لأننا –أنا وشقيقتي- كنا على وفاق، لكن يوم شجارنا وحين تغيرت مشاعري إلى غضب أصبحت أتذكر تلك الهدية التي كنت سعيدا بها من قبل بأنها وسيلة أرادت منها شقيقتي أن تبين لي أنها أفضل مني وتحتقرني... أرأيت لماذا أخبرك لا تثق حتى بنفسك؟
التعليقات