ما الوطن؟
هل هو حدود مرسومة؟ علم مرفوع؟ أم هو شعور لا يُعرّف؟
حين نشتاق للوطن، هل نشتاق فعلاً له، أم لما فيه؟ لأمّ كانت تدفئنا، لصديق عرفنا دون سؤال، لشارع علق في ذاكرتنا ونحن أطفال؟
نحن لا نحب الوطن كوحدة كاملة، بل نحب أجزاءً منه...
نحب الأم، والخبز، واللهجة، والضحكة القديمة، والطفولة التي كنا نعتقد أنها لن تنتهي.
نحن نحب "كأساً" من الذكريات، لا "الطاولة" التي كانت تحمله.
فحين أقول "أشتاق للوطن"،
أنا لا أحنُّ إلى ترابه كتراب، بل إلى لحظة عشتها هناك، إلى زمن لم يكن فيه وجع، إلى قلبٍ كنت أظنه لن ينكسر
الوطن، في معناه الجغرافي، لا يساوي شيئاً إن لم يُقيمه إنسان.
فحتى الذهب، إن لم يقدّره أحد، يصبح مجرّد حجر أصفر لا قيمة له.
الإنسان هو من يصنع الوطن، هو من يرفعه، من يمنحه اسماً ووجهاً وروحاً.
نعم، يمكن أن نغيّر أوطاننا، نغادرها بحثاً عن كرامة، عن فرصة، عن حياة أفضل.
لكن هل نغيّرها حقاً؟
ربما نغيّر فقط المكان، بينما يبقى الوطن الحقيقي مغروساً في أعماقنا كجذر لا يُقتلع
أحياناً نعود للوطن فنكتشف أنه تغيّر، أو أننا نحن من تغيّرنا.
نبحث عن الكأس، فنجد فقط الطاولة.
نشعر بالحنين، لكن لا نجد الرفق القديم، ولا الأمان القديم.
وهنا، نكتشف الحقيقة:
نحن لا نحزن على الوطن كله، بل على الجزء الذي فقدناه منه.
كمن يبكي على كأس انكسر، لا لأنه ثمين، بل لأنه كان يحمله في طقوسه اليومية.
غضبي ليس على الوطن ككل، بل على من كسر تلك الأجزاء التي كنت أحبها فيه...
على من جعلني غريباً في مكان كنت أظنه بيتي
في النهاية، الوطن ليس خارطة...
الوطن هو قلب مطمئن، زمن نقي، دف
ء لا يتكرر، وصوت يقول لك: أنت لست وحدك.
التعليقات