بسم الله الرحمن الرحيم

 الشخصية الانطوائية

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد,,,

توصف الشخصية الانطوائية بأنها شخصية لديها قدرة عالية على التخيّل وتتميّز بميلها للأمور الفكرية والذهنية التي تتطلّب في كثير من الأحيان جوّ هادئ ومنعزل مما يجعلها قادرة على العيش في وحدة وعزلة ولا تكاد تخيفها الوحدة, فما الذي يجعل الآخرين يحاولون تغيير الانطوائيين ليكونوا نسخة طبق الأصل من الآخرين بغض النظر عن رغبة الانطوائيين؟ فما دام الانطوائي يتصرف كما يحبون فهو مقبول لديهم ومقبول لدى الجميع مهما كان التصرف مثل الآخرين يؤذيه أشد الإيذاء, ولكن لا يهم ذلك ما دام الانطوائي يتصرف كما يحبون الآخرين وما دام قد تحوّل ولو ظاهرياً إلى نسخة طبق الأصل من الآخرين.

والسؤال هنا هو ما الحاجة إلى دمىً متشابهة في المجتمع ..؟..فهل سينقص الناس شيئاً إذا تصرّف الانطوائي كما يحلو له أو إذا رفض أن ينضم إلى عرض الدمى ليكون نسخة طبق الأصل من الآخرين؟

هل من المخيف أن يروا الناس من يختلف عنهم لدرجة الإلحاح عليه في كل مناسبة وغير مناسبة ليكون نسخة من الآخرين؟

وهل كانت الحضارة لتصل إلى ما هي عليه الآن لو لا عزلة العلماء والمفكرين والمخترعين ليفكروا في الاختراعات والنظريات التي اظهروها بسبب عزلتهم من المجتمع ولو لوقت محدود؟

وهل كانوا العلماء والمخترعين والمفكرين سيصلون إلى ما وصلوا إليه لو أنهم رفضوا العزلة والإختلاء بأفكارهم ليخرجوا بكل جديد وثوري؟ وفضّلوا بدلاً عن ذلك الثرثرة مع الآخرين في كل ما هو تافه وسيّء وإضاعة الوقت في ذلك.

بل لو لا العزلة والوحدة لكنا لا زلنا كما نحن قبل (1000) سنة, ورغم ذلك لا زالوا الناس يرفضون العزلة والوحدة ويرفضون الانطوائيين وانطوائهم ويلحّوا عليهم بالإختلاط بالجميع وكأنهم يريدون منهم أن يصبحوا سفراء أو سياسيين أو محاضرين في قاعات مزدحمة أو ما شابه ذلك, فماذا لو كانوا الانطوائيين لا يفكرون من الأساس بالاشتغال في مجالات تضطرهم إلى الإختلاط بالآخرين؟

أليس هذا كافٍ بترك الانطوائيين وحالهم ليفعلوا ما شائوا ما داموا لن يضطروا إلى الإختلاط بالآخرين؟

وبإمكان الانطوائي أن يستفيد من حبه للعزلة والوحدة بأن يقرأ الكتب فينفع نفسه وإن أراد أن ينفع الآخرين فبإمكانه أن يكتب الكتب والأبحاث العلمية والمقالات لينشرها فيفيد الآخرين بذلك دون الاضطرار إلى الإختلاط مع الناس, وبإمكانه تسجيل محاضرات له في المجالات التي يعرفها في استديوهات منزلية وينشرها في الانترنت لينشر العلم بين الناس ومن السهل في هذا العصر أن يقوموا الانطوائيين بكتابة ما شاؤوا ونشره في الإنترنت.

فإن كان الانطوائي شخص خيّر فيمكنه أن يستفيد من عزلته في نفع نفسه ونفع الآخرين إن شاء وإن كان شخصاً سيئاً فقد كفى الناس شرّه بعزلته عنهم...هذا والله أعلم.