في زاوية مرآتها مشروخة، وقف "سعيد بن المجتمع"، يحدّق في وجهه كما لو كان يحاول ضبط تردد قناة لا تبث شيئًا سوى التشويش.
ملامحه؟ عادية جدًا. ابتسامته؟ مأخوذة من كتاب "كيف تبدو سعيدًا في ثلاث خطوات ". عقله؟ ممتلئ بلافتات مُعلّقة منذ ولادته:
- "كن رجلًا ولا تبكِ"
- "لا تفشل، حتى لو كنت تحت الأرض"
- "اصمت، فالناس لا يريدون سماعك بل رؤية إنجازك"
سعيد لم يختر شيئًا مما هو عليه. هو مجرد نتيجة؛ مخلوق ذو تركيبة معقدة من توقعات الناس، وصراخ العائلة، وتعليمات المجتمع المغلفة بعبارات: "نحن نعرف مصلحتك".
إنه ينهار… ببطء، وفي لحظة صدق نادرة، سقطت دمعة صغيرة، إنعكاسها واضح في المرآة. لا تبدو مأساة عظيمة، لكنها كانت فتيلا لكشف مؤامرة طويلة الأمد.
الجلوس على طرف سريره، والتحديق في اللاشيء، قرار ت تبنى عدة أفكار : "من الذي قرر أن الهدوء ضعف؟ من الذي قال إن الابتعاد عن الناس مرض؟ من الذي أقنعني بأن القسوة تعني القوة؟"
فجأة، بنوع من التهور الهادئ، كتب على ورقة صغيرة:
- لم أكن دوما صلبًا، بل هشا وأتقبل ذلك.
- لا أحب الاجتماعات. أفضل الجلوس وحدي بصمت.
- لا أريد أن أنجح لأبهر أحدًا. أريد فقط أن أتنفس دون اختناق.
- لا أريد أن أكون "سعيد" الذي ينتظرون منه شيئًا. بل فقط… سعيد، بلا "بن المجتمع".
تأمل الورقة، ولم يطل التفكير بعدها. نعم، لقد مزقها.
ندمًا،لا. بل إدراكه أن ما نريد فعله لا ينفع إذا كتب فقط… بل أن يُعاش.
بعدها؟
- لا أحد يعلم ما حدث بالضبط.
- ربما رحل من المدينة دون وداع.
- ربما ما زال يسير بين الناس بنفس الوجه، لكن بعينين جديدتين، لا تُفسر ولا تُجادل.
- ربما وجدناه يضحك وحده في محطة قطار خالية، كأنه تذكّر نكتة لم يُخبره بها أحد.
ربما كان يُفكر في أشياء من نوع:
- "من أكون، لو لم يُسمّني أحد؟"
- "هل الهروب من القالب هو قالب جديد؟"
- "هل الحرية أن تعرف نفسك؟ أم أن تنساها تمامًا؟"
- "أين تنتهي أنا، وتبدأ تَوقعات الآخرين؟"
آخر ما تُرك باسمه، دفتر ممزق في مقهى نسيه الزبائن، مكتوب في صفحته الأخيرة:
"إذا قرأتَ هذا… لا تبحث عني."
ومنذ ذلك اليوم، لم يعُد أحد يناديه بـ "سعيد بن المجتمع". فقد صار اسمه مجهولًا… وربما كان هذا أول اختيار حرّ في حياته.
ربما هي قصتي، ربما هي قصتك أو قصص آخرين ، توجد الضوابط في المجتمع لحمايته لكن إلى أي مدى قد تؤثر على حياة الأفراد. الحرية المطلقة، التقييد اللامشروط، الأفكار التى تتبنى أحد النهجين قد تنجح في بدايتها لكنها ستسقط في الضلال في القريب العاجل.
الضوابط والقوانين وضعت إما للتمييز أو الحفاظ على الحقوق. إعطاء الحق لطرف ما دون وجه حق أو البحث عن الحقيقه.
سعيد المجتمع ليس دوما سعيدا وسعيد الوحدة ليس بالضرورة سعيدا
التعليقات