لا شك أن الحرية مطلبٌ رئيسي لنا في حياتنا، لا عيش هنيءٌ لنا دونه، الإستقلال شعورياً أو مادياً أو جسدياً عن أي نوع من الأسر هو شئٌ في غاية الأهمية، وقد نفعل أي شئ للحصول عليه.

أعرف شخصاً ذاق مرارة الغربة في سنٍ صغيرة ليستقل مادياً عن والده..

أعرف زوجة كان يعاملها زوجها معاملة سيئة جداً هي وأهلها وطلبت الطلاق بشتى الطرق حتى نجحت، فقط لتكون حرة ذات كرامة..

أعرف صديقاً قدم استقالته بسبب التدخل السافر لمديره في حياته الشخصية وتقييد حركته.. فعل ذلك..فقط لينعم بالحرية..

إلى الآن عزيزي القارئ فالحرية شئٌ جميل، لكن دعني أُثير عقلك قليلاً وأقول لك أن "الحرية أحياناً مصيبة حقيقية"

وكأني أسمعك الآن وأنت تتسائل .. "كيف"؟!

دعني أقص عليك قصةً تبدو فكاهية بعض الشئ علَّها توضح ما أرمي إليه:

أنت تعرف طبعاً المسرحية الكوميدية الخالدة "مدرسة المشاغبين" وغالباً شاهدتها كاملةً ..حين دخلت أستاذة الفلسفة "عِفَّت" لذلك الفصل "المشاغب" وأرادت أن تتبع طريقة جديدة في التعامل عن طريق إعطاء الحرية التامة للتلاميذ حتى يحبونها ويستجيبون لها وكي لا يرفضوا الإستجابة لها كما حدث مع الأساتذة التي تعاملوا مع هذا الفصل من قبلها، أرأيت ماذا كانت النتيجة؟

لقد جعلها هؤلاء التلاميذ "الأحرار" مادة للسخرية والتنمر طوال المسرحية، ووسيلة مستباحة لضحكات هستيرية من الجماهير والمتفرجين.

ففي تلك الحالة يا عزيزي كان لهؤلاء الطلبة كل الحرية في أن يفعلوا ما يريدون فعله دون "عصا" تردعهم أو أي نوعٍ من "الترهيب".. ولكنهم أساءوا وتمادوا في الإساءة!

أليست الحرية مصيبةً حقيقية في تلك الحالة؟

دعني أقص عليكَ تجربة غريبة من نوعها أجرتها سيدة تدعى مارينا ابراموفيك سنة 1974

وأجرت مارينا تلك التجربة لتتعرف على تصرفات البشر اذا منحت لهم الحرية التامة.

قررت مارينا أن تقف لمدة 6 ساعات متواصلة بدون حراك وأتاحت للجماهير أن يفعلوا بها ما أرادوا.. ووضعت بجانبها طاولة بها العديد من الأدوات منها سكين، ومسدس، وأزهار وأشياء كثيرة ومعدات كالسكاكين.

في البدية كان رد فعل الجماهير سلمي فاكتفوا بالمشاهدة دون فعل أي شئ، ولكن بعد تأكد الجماهير بأنها لن تفعل أي شئ بالفعل أصبحوا أكثر عدوانيه .. فقاموا بتمزيق ملابسها وقاموا بإيذائها بأشواك الازهار.. لدرجة أن أحدهم قام بوضع المسدس على رأسها، ولكن أحد الاشخاص لحسن الحظ تدخل وأخذ المسدس منه، بعد أن انتهت ال 6 ساعات تحركت مارينا من مكانها قليلاً دون أن تفعل أي شئ.. وبمجرد أن بدأت بالتحرك همَّ الجماهير بالإبتعاد عنها والفرار من حولها !

توصلت مارينا بعد هذه التجربة :

"أن البشر قادرون على ارتكاب أفعال سيئة للغاية فقط إن أتيحت لهم الفرصة لعمل ذلك وأعطيت لهم الحرية التي تضمن لهم الأمان"

وهكذا الحال عزيزي القارئ في أي مكان ومع أية أشخاص، إن أعطيت الحرية الكاملة ضع في توقعاتك خسائر فادحة!

فالحرية تبدأ عندما ينتهي الجهل. ودعني أختم بقول ڤيكتور هوجو " إن منح الحرية لجاهل كإعطاء السلاح لمجنون" !

وسؤالي لك هنا :

متى يكون إعطاء الحرية الكاملة للأشخاص جريمة؟ وهل حدث معك مواقف مشابهة لأشخاص أساءوا استخدام الحرية؟