لكي تكون كل حركة سياسية ناجحة، يجب ان تسوّق لرؤية فيها نوعين من الناس، الضحايا والظَلمة.
لن تكون حركة سياسية ناجحة من غير هذا، السياسة لا تعمل إلّا إذا قسّمت الناس إلى خير وشر، لا توجد منطقة وسطى.
وحينما تخوض النسويات المعركة السياسية، هي تضع الرجال فورا في خانة الشرّ، مهما كانت الظروف، ربما لا يكون هذا عن قصد، لأنّ من دونه، لن تقوم لهم حركة سياسية من الأساس.
تخيّل أنّ هناك رجل يتحرَّش لفظيا بأمراة في الشارع، بالتأكيد يُوجد رجال من هذا النوع، لكن لو كنّا منطقيين، فهؤلاء يكونون عادة من أقلّ الناس حظًّا من التعليم والوضع الاجتماعي، غالبًا ما يكون شابًا ليس له عمل ولا تعليم، ويحاول أن يتحرَّش بأمراة لها من الحُسن والمنظر ما لها.
موازين القوى في المجتمعات الحديثة تعتمد على ثلاث أركان، التعليم والمال والجاذبية، وأنت في أعلى السلم أو أسفله بحسب ما تملك من النقاط، ولو تحرَّش شاب لم يحقّق نقاط كثيرة على هذا المقياس، بأمراة في أعلى السلم، فهذا ليس إلّا تمثيلًا لمضايقات تملأ الكون من أناس أقلّ حظًا لآخرين أكثر حظًا منهم.
وعندما يُصوَّر هذا الموضوع على أنّه (رجل ضد أمرأة) فإنّه يفقد بريقه، ولن يقسِّم الناس كثيرًا إلى ضحايا وظَلَمة، خصوصًا وإنّ ما ذكرته قد لا ينطبق على 5% من الرجال.
تعال لنقلب المعادلة، ماذا لو تحرَّش مدير عمل بموظفته؟ هذا كذلك ليس إلّا تمثيلًا لشخص يُسيء استغلال السلطة التي عنده، ولطالما أساء البشر استغلالها. الأمر لا يتعلّق بما تملك من أعضاء وهورمونات، حتّى الزوجات الثرّيات حينما يملكن أكثر من أزواجهن، قد يفعلن ذلك، وقد تُشاهد امثلة لمن تفتخر بذلك علنًا أصلًا!
ما أريد أن أوصله لك، هو أنّ الطريقة التي تستخدمها النسويّات لاظهار الرجال بمنظر الأشرار، ليس إلّا بسبب اختلال في معادلة القوى، قد يُسيء القوي معاملة الضعيف، وقد يُضايق الضعيف القوي، هذا يحدث في الكون كثيرًا، وحينما تستغلّه لتدعمك في حركتك السياسية، فهذا يفقد أثره في غالب الأحيان.
أنا أتفهّم ذلك المنطق، حتّى تنجح سياسيًا يجب أن تصوّر خصمك على أنّه عدو كبير جدًا، وبدون ذلك لن تغيّر الكثير، وبهذا المنطق أستطاعت النسويات أن يُحرّكن عجلة التغيير، وقد حصلت أشياء جيّدة من هذا التغيير.
المشكلة تكمن في المدى الطويل، الحركة التي أُنشئت لخدمة الخير ومجابهة الظلم، قد تتحوّل إلى الظلم الذي حاولت أن تُضادّه وتقوّم ميله.
قد لا يعترض الكثير من الرجال على تضييق فجوات الرواتب، أو منح الحقوق، في الواقع الكثير ممّن يُشرف على تغيير القوانين هم الرجال، لكنّهم يعترضون على الطرق التي يُتوصّل بها إلى النتيجة، وهذا على أية حال ليس إلّا اعتراضًا على الخطّة، لا الهدف، ليس شعورًا جيدًا حين تكون رجلًا متفهمًا، وعلى هذا تُوضع -من الذين قدّرت حقوقهم- في خانة الأشرار، لا لشيء إلّا بسبب الجينات.
النسويات ظفرن بالكثير بهذه الخطّة، ربما حقّقن 70% من مُرادهنّ، لكن ليحصلوا على الـ 30% الباقية، عليهم أن يستعملوا طريقة أخرى، ولا أدري أي الطرق ستكون، لكن أتمنى أن لا تكون طريقة تُصنّف بها الحلفاء إلى حمقى.
التعليقات