ماذا لو في احد المحادثات مع شخص عن عجائب الدنيا تفاجئنا به يُخبرنا أنها 9 وليست 7، هل سيتقبل العقل هذه المعلومة أم أنه سيُعارضنا فيها ؟
التجربة تقول أن الأغلبية يتقبلون مثل تلك المعلومات التي لا تُمثل لهم أهمية ملموسة أو علمية، وبالتالي يسمحون بالنقاش فيها وربما يُعطون فرصة للأخرين كي يثبتوا وجهة نظرهم
على عكس لو تخيلنا أن هناك شخص يُخبرنا أن الأرض مسطحة وليست كروية، سنجد أن العقل يرفض المعلومة ويدفعنا للجدال واثبات العكس وفي الوقت نفسه التفكير في المعلومة التي تم سماعها وهذا هو ما يُسمى التفكير العكسي، وفد يكون أحيانًا تفكير ثُنائي الإتجاه.
في أحد التجارب العلمية طلب علماء النفس من عدة أشخاص الدخول إلى جهاز الرنين المغناطيسي لقياس ما يحدث في المخ عند إلقاء معلومة عكس معتقداتهم، ونتج عن هذه التجربة اكتشاف أن نشاط المخ يزيد بشكل كبير وملحوظ في منطقة "الأميجدالا" وهي المنطقة المسئولة عن تنبيه الإنسان لأي هجوم يتعرض له، وتم تشبيه الأمر بنفس الشعور الذي يتعرض له الإنسان عندما يُخبره أحد أن هناك من يُنافسه وأفضل منه، أو أن الفريق الذي يُشجعه أضعف من الفريق المنافس، ما يحدث هو أن نشاط العقل يزيد تجاه الفكرة التي تُخالف المعلومة التي تم القائها عليه، وأحيانًا يُعطي للأمر أهمية أكبر من حجمها مما يدفع الشخص للإندفاع والتعصب
من الممكن أن ندخل في نقاش مع شخص نجده يتقبل النقاش بصدر رحب، في حين أننا إذا دخلنا في نقاش مع نفس الشخص حول فكرة أخرى قد يتحول إلى شخص متعصب وعنيف لا يهمه سوى الدفاع عن فكرته ومعتقداته، يحدث ذلك عادة مع الأفكار المُرسخة في عقل الإنسان منذ طفولته، أو منذ سنوات طويلة نتيجة خبراته في الحياة، مما يجعلها مُعتقد ثابت في عقله يرفض تغييره ويشعر بالإهانة بمجرد توجيهه إلى ما يُخالف هذا المعتقد.
أحيانًا يكون التفكير العكسي له دور إيجابي في حمايتنا من المعلومات الخاطئة وإهتزاز معتقداتنا أمام أي فكرة جديدة، ولكن من ناحية أخرى له أثار سلبية علينا لأنه عادة ما يكون مُرتبط بعاطفتنا تجاه أفكارنا، وبالتالي نبتعد تدريجيًا عن المنطق ونرفض النقاش بموضوعية حول الفكرة أو الأمر المخالف لنا، بمعنى أن التفكير العكسي قد يؤثر على المرونة في التفكير فيما يقوله الأخرين وتقبل إحتمالية أن يكون صحيحًا.
ونتيجة لذلك قد ندخل في نقاشات مع أشخاص لا تنتهي من الجدال، بسبب أن كل منا يُفكر عكس الأخر ويرفض عقله اعطاء فرصة للمنطق والموضوعية في النقاش، فهل الهدف هو التنازل وتقبل أفكار الأخرين وتغيير معتقداتنا بسهولة ؟
تلك الفكرة نفسها ليست منطقية، فليس من السهل أن نتقبل افكار مخالفة لمعتقدات لازمتنا سنوات طويلة، ولكن يُمكن استغلال التفكير العكسي في اعطاء فرصة للرأي الأخر إما تنتهي بالإقتناع المنطقي أو احترام وجهة النظر لكل من الطرفين، فهذا يُنمي مرونة العقل ويُنقذنا من الدخول في نقاشات غير مفيدة.
هل مررتُ بنقاش رفض عقلك فيه تقبل المعلومة أو وجهة النظر الأخرى؟ وفي رأيك ما هي الطريقة التي يُمكن بها التخلص من الجمود العقلي أمام فكرة مُعينة ؟
التعليقات