يعد الكلام لغة ضرورية للتواصل بين البشر وبالكلام فقط نستطيع التعبير عن مشاعرنا وإيصال أفكارنا والتحدث مع غيرنا (في الغالب)، لكن قد يأخذ الكلام منحى آخر يذمه أغلب الناس وينفرون منه ألا وهو الجدال.
الجدال في حقيقته ليس مذموما دائما، والمجادل ليس دائما مرائيا أو نرجسيا يهوى فرض رأيه وتخطئة غيره، في كثير من الأحيان المجادل يكون محقا وهدفه الوصول إلى نقطة مشتركة ومساحة لفهم الحقيقة والصواب، والسؤال الذي أطرحه اليوم هل على الإنسان أن يعبر عن وجهة نظره ويبرز خطأ غيره دائما أم أن التغافل ضروري أحيانا؟
أنا لا أدخل في أي نقاش لا يعود علي بفائدة أو يهمني وقد يؤثر علي بشكل شخصي. مثلا قد أدخل جدالات طويلة مع عائلتي لإثبات وجهة نظر معينة لأنها هذا سينعكس على حياتي بالإيجاب ولكن لن ابذل نصف هذا الجهد في النقاش مع شخص لا يهمني وغير مؤثر في حياتي لكي أغير وجهة نظره أو أقنعه بشيء ما خصوصا إذا كان الشخص لا يدرك قواعد النقاش والحوار ويميل للشخصنة والتعصب في الرأي.
وجهة نظركِ منطقية، فالوقت والجهد موارد ثمينة، ومن الطبيعي أن تفضّلي استثمارهما في نقاشات تعود عليكِ بفائدة ملموسة. لكن في بعض الأحيان، قد تكون للنقاشات غير المباشرة قيمة غير متوقعة، مثل فهم طرق تفكير مختلفة أو تحسين القدرة على التعامل مع الآراء المتعصبة دون استنزاف طاقتكِ. ربما يكون التحدي الحقيقي ليس في إقناع الآخرين، بل في كيفية إدارة النقاشات بطريقة تجعلكِ تستفيدين منها دون أن تتحول إلى عبء عليكِ.
لنقل أنني لا اتجنب النقاشات غير المفيدة لي بشكل مباشر على الدوام. أنا فقط لا أتهافت عليها لأحاول اثبات أنني على صواب مثلما يفعل الأغلبية. أنا أقدر النقاشات المثمرة كالتي نقوم بها على حسوب فبرغم أنها لا تؤثر بالقدر الذي أشرت إليه في البداية على حياتي ولكنها بالتأكيد تؤثر بي وتفيد عقلي فهي تجعلني مطلعة على معارف وخبرات متنوعة وتسمح لي باكتشاف وجهات نظر وأفكار وحلول غير تقليدية في كثير من المواضيع لم أكن لأصل بها بمفردي، والسبب الأهم هو نظام المنصة نفسه الذي يسمح بحرية التعبير بطريقة متحضرة ويضع قواعد للنقاش والحوار والنقد البناء على عكس ما نراه على منصات التواصل الأخرى من سب وإهانات وتطاول وسطحية في الطرح وتعصب في الآراء.
أوافقك الرأي أحيانا علينا إدراة النقاش بطريقة غير مباشرة وتأجيله لاحقا والعمل على إقناع الغير على المدى المتوسط أو حتى البعيد. فلكل مقام كقال
لدينا نفس طريقة التكفير رنا، شخصيا حتى مع عائلتي قللت النقاش خاصة عندما أعلم مسبقا أن الوضع لن يتغير ورأيي لن يأثر
كنت من قبل أحرص دائما عند دخولي في أي نقاش ألا أخرج منه قبل أن أكون قد أوضحت وجهة نظري للطرف الآخر بشكل كامل وحاولت الضغط عليه لكي يقتنع بها، لكن مع الوقت بدأت أفقد ذلك الشغف تدريجيا إلى أن وصلت إلى درجة من اللامبالاة قد تصل إلى حد السلبية الشديدة صراحة. فلم أعد أكترث للدخول في أي نقاش مع أي أحد، فأحتفظ بمعتقداتي وأفكاري لنفسي وأترك الناس وشأنهم أيضا
صحيح، لأننا نكتشف مع الوقت أن أغلب الناس لا يغيرون آرائهم مهما فعلنا ومهما حاولنا، فالمحاولات تذهب سدى وربما نجد بعد مجهود كبير أن نفس الشخص يطرح نفس الأفكار ولا يبالي بكل ما قلناه.
قل لي أخي كريم ألم ينزعج المقربين منك من هذا السلوك الجديد؟
فلم أعد أكترث للدخول في أي نقاش مع أي أحد، فأحتفظ بمعتقداتي وأفكاري لنفسي وأترك الناس وشأنهم أيضا
كثيرا ما ينتابني نفس الشعور كريم، خاصة عندما أتيقن من عدم جدوى النقاش والجدل الموضوعي .. لكني رغم ذلك لا أنقاد دائما خلف ذلك الشعور؛ فأحيانا أشعر بمسؤولية توضيح الأخطاء والمغالطات التي يتم تداولها أمامي، خاصة إن أراد الطرف الآخر الترويج لأفكاره المغلوطة، وسعى لإقناع الآخرين بها، فهنا لا أحتمل السكوت، ولا تسعني اللامبالاة!
المغالطات تجبرنا في كثير من الأحيان على الرد لكن عندما يكون الأشخاص الذين تحاولين التوضيح لهم وحمايتهم من هذه التلاعبات لا يستوعبون كيف تكون ردة فعلك ههنا؟
نعم موضوع المسؤولية أزمة لكن بعض النقاشات مع بعض الأشخاص أزمة لأن الشخص لن يكون في نفس أخلاقك وقد يتطاول عليكي وهذا حدث معي حين جادلت فكرة طرحها شخصية عامة في تعليقات فيسبوك وانتقدني مؤيدوها بطريقة غير حضارية فيما جادلني أشخاص بطريقة محترمة، لاضطر في النهاية حذف التعليق بعد جدال كبير معهم لاني اكتشفت أني لن اغير هذه العقلية.
من الضروري تعلم طرق النقاش والجدال الصحيحة، فقد يكون الإنسان سليم النية لكن يخطى التعبير فيستفز غيره أو يأخذ النقاش لمنحنى غاضب..
هناك طرق أساسية في المهارات الناعمة soft skills لإدارة النقاش والجدال للتوصل إلى تفاهم بدل من إضاعة الوقت في جدال لا يقدم فائدة، وعلى جميع الأطراف أن تتحلى بهذه المعرفة فلا يكفي أن يلم بها طرف واحد من أطراف النقاش.
كما أن الذكاء الاجتماعي مهم، فاختيار الكلمات والأوقات والطرق المناسبة للحديث في موضوع هي أساسيات النقاش المفيد.
كما يجب أن يتحلى الأشخاص بعقلية منطقية ومرتبة؛ فلا يدور النقاش في حلقات بل يمضي في خط مستقيم له بداية ونهاية وتسلسل واضح، كما يجب أن يقود أحد الأفراد النقاش بحيث يتساوى الأفراد في الإدلاء بآرائهم ولا تكون مناقشة بدون نظام يقاطع فيها الأفراد بعضهم البعض وتسلبهم مواضيع فرعية عن الموضوع الأساسي.
طبعا هذه الأساسيات مهمة وتجعلنا نتفادى الاصطدام مع الغير في كثير من الأحيان، لكن دائما هناك من يرفض أي معارضة ولا يقر بأنه مخطئ أو غير مدرك الوضع الخ
الصواب له أكثر من وجه، وليس كلما رأيت خطأ جادلت وليس علي أن افرض وجهة نظري على الأخرين، فكل شخص حر في حياته وله رؤيته ومعتقداته وفي النهاية لست وصية على أحد، وحين أرى شخصا يخطئ وأقنعه بوجهة نظري فيجادل ويجادل دون أن نصل لنقطة نتفق فيها أنسحب من الجدال لأن النقاش هنا لا فائدة منه.
والسؤال الذي أطرحه اليوم هل على الإنسان أن يعبر عن وجهة نظره ويبرز خطأ غيره دائما أم أن التغافل ضروري أحيانا؟
الأمر يعتمد على السياق والشخص الذي أمامك. إذا كان النقاش سيؤدي إلى فائدة حقيقية أو تصحيح معلومة مؤثرة، فمن الجيد التعبير عن وجهة نظرك وتوضيح الخطأ. لكن في بعض الحالات، يكون التغافل أكثر حكمة، خاصة عندما يكون الجدال مع شخص غير مستعد للاستماع أو عندما يكون الموضوع غير مهم لدرجة تستحق الجهد. هناك مواقف يكون فيها الصمت أقوى من أي حجة.
بالطبع الحال يختلف، لكن المشكلة عندما يكون الأمر ضبابيا أما عندما يكون واضحا يكون أسهل
التغافل جيد للغاية وضروري للحفاظ على العلاقات وكسب ود الآخرين، ولكن التغافل أرى أنه لا يجب أن يكون مستدام ومطلق بلا قيود، فعندما يكون الرأي متعلق بقيمة صحيحة أو بثوابت أصيلة مثل ثوابت الدين فهنا التغافل حمق ورضا بالباطل، وللأسف البعض يتظاهر بالتغافل عن الاختلافات هنا ويرى تصرفه به نوع من التقبل وسعة الصدر وهو لا يدري أن صمته سيزيد من ارتباط الشخص برأيه المغلوط ويساعد في نشره
صحيح لكل مقام مقال والرد على الباطل واجب ما أمكن ولا يجوز قبول والرضا بكل شيء هي موازنات أخي
الجدال يمكن أن يكون وسيلة مفيدة للوصول إلى فهم أعمق للحقيقة والصواب، لكنه يمكن أن يتحول إلى ممارسة غير مثمرة إذا لم يكن الهدف منه بناء وتبادل الأفكار بشكل إيجابي.
التوازن هو المفتاح هنا. إليك بعض النقاط التي قد تساعدك في اتخاذ القرار:
1. **التفكير في الهدف**: إذا كان الهدف من الجدال هو الوصول إلى فهم مشترك وتحقيق تقدم في النقاش، فيكون الجدال في هذه الحالة مفيداً ومثمراً.
2. **اختيار الوقت والمكان المناسبين**: يجب أن يتم الجدال في بيئة مناسبة تساعد على الحوار البناء. تجنب الجدال في الأوقات والأماكن التي قد تثير التوتر.
3. **الحفاظ على الهدوء**: من المهم أن يتم الجدال بهدوء واحترام. لا تجعل الحوار يتحول إلى صراع أو هجوم شخصي.
4. **التغافل عند الضرورة**: في بعض الأحيان، قد يكون من الأفضل التغافل عن الجدال إذا كان من الواضح أن الشخص الآخر غير مستعد للاستماع أو إذا كان النقاش لن يؤدي إلى نتيجة مفيدة.
5. **التركيز على النقاط المشتركة**: حاول البحث عن النقاط المشتركة بدلاً من التركيز على الاختلافات. هذا يمكن أن يساعد في بناء جسر من التفاهم بين الأطراف.
6. **النظر في الأولويات**: قد يكون من الأفضل التركيز على المواضيع الأكثر أهمية وترك الأمور الثانوية.
باختصار، يجب على الإنسان أن يوازن بين التعبير عن وجهة نظره وبين التغافل عند الضرورة، بحسب السياق والهدف من النقاش.
التغافل ليس ضعفًا، كما أن الجدال ليس دائمًا قوة. التعبير عن وجهة النظر مهم، لكنه ليس واجبًا في كل موقف، لأن بعض النقاشات تستهلك الطاقة بلا فائدة، خاصة عندما يكون الطرف الآخر متشبثًا برأيه أو غير مستعد لسماع الحقيقة. هناك لحظات يكون فيها الجدال ضرورة لكشف خطأ أو تصحيح مفهوم، وأحيانًا يكون الصمت أكثر حكمة، خاصة إذا كان النقاش سيفضي إلى توتر بلا جدوى.
أعتقد أن الموازنة بين الجدال والتغافل هي مهارة يحتاجها كل شخص، فليس كل معركة تستحق خوضها، ولا كل صمت يعني هزيمة.
الموازنة واختيار نوع الجدال الذي ندخل فيه أفضل حل أحسنت فلا قاعدة عامة على ما يبدو يمكننا تطبيقها
التعليقات