منذ شهرين تقريباً كنت أتحدث إلى رجل أربعيني أعتبره من القارئين الجيدين. طال بنا الحديث حتى استطردنا إلى القراءة ودورها والكلمة ووظيفتها فسألني إن كان لدي أي كتب لنبيل فاروق؟! فاجأني فلم أجبه وإنما بادلته السؤال بسؤال. فأنا لم أقرأ قط لنبيل فاروق وإن كنت سمعت عنه و عن اعماله وأعرف أنه يكتب قصص المغامرات و الأكشن و الرويات البوليسية فسألته: لماذا نبيل فاروق بالذات؟! قال: أحب كتبه لأنه بخياله يفصلني ( يُغيًبني) عن الواقع!

 وبقوة قانون تداعي الأفكار فقد قفزت إلى ذهني ما قاله الكاتب أحمد خالد توفيق في روايته " يوتوبيا" على لسان جابر بطل قصته وقد قال له سالم بيه: أنت تقرأ كثيراً... أنت مجنون. قال له جابر: إن القراءة بالنسبة لي نوع رخيص من المخدرات. لا أفعل بها شيئاً سوى الغياب عن الوعي. في الماضي كانوا يقرؤون – تصور هذا - من أجل اكتساب الوعي!

 فجابر يقرأ ليغيب عن وعيه فيا ترى لماذا تقرأ أنت؟ كذلك قرأت في تاريخ إنجلترا أن المسرح والكتاب راحوا يعرضون على الجماهير ما يروقهم من كتب واعمال درامية تُلهي وتُسلًي ولا تثقف العقل وتوقظ الوعي. كان ذلك بعد أن قبض أوليفر كرومويل على زمام الحكم بعد حرب أهلية طاحنة بين أنصار البرلمان وأنصار الملك الذي تم إعدامه. لما ذهب كرومويل المتشدد عن الحكم، كان الناس قد ملوا كل شيئ ودب التفسخ المجتمعي في كل شيء. فراجت التفاهة وراج المسرح المتدني والكتب قليلة القيمة.

 ورحت أتساءل في حيرة: لماذا يا تُرى الناس تقرأ لتغيب عن الوعي؟! هل لأن الواقع من المرارة بحيث لا نحتمل له طعماً ومن البشاعة بحيث لا نطيق له منظراً ومن الكآبة بحيث تمجًه أنفسنا؟! أم لأن الناس بطبيعتهم سريعوا الملل ترهقهم الجديّة المتواصلة فيتناولون مخدرات الكتب كما يشي حديث ذلك الأربعيني الذي سألني عن كتب نبيل فاروق؟! وهل هناك كتب تمثل بذاتها نوع من التخدير لقراءها؟ أترك لكم الجواب.

 والآن يا أصدقاء: هل تمر عليكم أوقات تقرأون فيها لتنفصلو عن الواقع؟ وكيف نقاوم الرغبة في القراءة لتغييب الوعي لصالح القراءة لإذكاء الوعي؟