كما تفكرون تكونون!!، كيف يمكن لسلوكنا أن يعكس أفكارنا؟

أنت تضع الأمر جلّه على كاهل المتلقي أستاذ مازن..

وكأننا نفترض بأنّ المرسل قام بدوره بالشكل المطلوب منه، واعتمادية وصول الأمر من عدمه، او وصوله مشوّهاً هي مسألة يتحمل مسئوليتها المتلقي.

ولكن ماذا لو كان المرسل (واسمح لي بقول هذا المصطلح) خبيثاً في طرحه لفكرته من خلال رسالة (قد تكون ملغومة) تحتمل أكثر من وجه للوصول للمتلقي؟؟

وماذا لو كان المتلقي غرّاً لا يملك مهارات تفسير الرسالة، أو ذا أفق ضيّق يتلقاها وفق ما سمح له عقله بذلك؟

مَن الذي يتحمل المسئولية حينها؟

أولاً لطالما كان أعضاء الهيئة التدريسية يشكلون كارثة دراسية لي 😁😁، فكيف إن كانوا في الهندسة المعمارية !!؟ فأهلاً بك أستاذ (وعقبال ما أقول دكتور حال حصولك على الدكتوراة) 😊

أوافقك بأنّ الفعل ينوب عن اللسان في الإخبار عن مكنون العقل. ولكن من الضروري أيضاً الالتفات إلى دور "اللغة". فعملية التفكير كلها تكون من خلال اللغة. نحن حين نفكر داخل أدمغتنا نستخدم لغتنا الأم، والطريقة التي نستخدم بهذا هذه اللغة مرتبطة بشكل مباشر بطريقة تفكيرنا، وأيُّ زلزال نريد منه كسر الجمود وإتاحة الفرصة لتمظهرات جديدة على المستوى الخارجي هو لا محالة زلزالٌ لغويٌّ أيضاً في جانب منه، يمسّ مخزون مفرداتنا بالإضافة والتبديل والتعديل ويمسّ طرق صياغتنا للأفكار لغوياً.

إذاً أنت تظن بأن الزلزال الذي إن فكرنا بحاجتنا إليه يجب أن يرتكز على الزلزال اللغوي؟ كيف يكون ذلك ممكناً؟

إضافة لذلك.. ألا تظن بأنّ اللغة نفسها قد تخدع أحياناً؟ خاصة مع المتلقي الذي ينساق للغة وطريقة طرحها؟

قبل فترة مررت بحالة ركود فكري أو لا أدري كيف أسميها، وأذكر أنني وقتها نشرت على فيسبوك، أريد كتابا يُحدت زلزالا وثورة في عقلي.

إن كان علاج الأمر في كتاب.. فأنصحك بتغيير نوعية الكتب المعتادة لكِ، حتى لو قرأت في الفانتازيا أو الخيال أو الروايات البوليسية، مثل هذه النوعية تفتح آفاقاً جديدة، تجعلك أحياناً بطريقة الآخر وكم مثيرة تلك المرحلة.. أن لا تحللي الأمور بطريقتك، ولا تشرحيها وفق قناعاتك.. بل أن تريها وفق طريقة الآخر وتتلبسين شخصيته.

في رأيي من الخطأ انتظار عوامل خارجية، لأنها قدد تتأخر وجمود عقلنا سيأخرنا كثيرا، بالنسبة لي أصبحت أميز تلك الحالة من الركود وأشاهد أحيانا بعض الفيديوهات أو أقرأ بعض المقاطع ...

أتفق تماماً معك في ذلك..

فالعالم لن يكترث كثيراً في إثراء معارفنا، ولن يهتم بإضافة شخص جديد لقائمة الشاعرين بالركود وحاجتهم للخروج من عنق الزجاجة، نحن فقط من ندرك حجم الأمر، وعلينا السعي لذلك بأنفسنا.

لم أفهم كيف يمكننا تحقيق ذلك في عقولنا، هل بكتابة أفكارنا و ترتيبها على الورق أو كيف على وجه الخصوص ؟

فعلياً هو ذات ما تساءلت عنه يا تقوى..

فجميعنا يدرك أنه بحاجة لتنظيم أفكاره وترتيبها، حتى أنّني لطالما أستشهد ببعض القصص التي كانت تقولها لنا معلمة الكيمياء في الثانوية، من أننا بحاجة لإعادة قراءة ما فهمناه ليرتكز في عقولنا ولا ننساه، وبأننا كلما حاولنا ترتيب أفكارنا علينا أن نضع مساحة من عدم إشغال عقولنا بمواضيع شتى لتأخذ الفكرة مساحتها المناسبة في عقولنا..

لكنني لليوم لم أعرف الطريقة التي يمكنني فيها تبويب تلك الأفكار وجعلها مرتبة في عقلي لأتمكن من الوصول إليها بسهولة دون أن أشعر باختلاط معارفي معاً.

أتعلمين أن زلزالاً واحداً كان له الفضل في جعل عقلي في حركة دائمة وجعلي أخشى الجمود الفكري بشكل جنوني .

جميل أنك تعرفين ما هو الأمر الذي جعلك تعرفين سرّ نجاتك.. فإن كان الأمر قابلاً للحديث عنه، سيكون جميلاً لو قرأت لكِ مساهمة عن ذلك.

كثيرا ما يحدث ذلك معي، لدرجة انني استغرق ساعات لتفكير ولكن بدون جدوى، ولكن سرعان ما انسى التفكير قد تحضر الفكرة التي كنت ابحث عنها...، ربما ليس الامر فقط متعلق بأننا عقلنا يملك الكثير من الملفات التي تحتاج الحفظ، وانما ايضا طريقة اكتسابنا تلك المعلومة وتوقيتها وظروفها له دور مهم، الافكار التي ترتسخ في الذهن هي الافكار التي حرصنا على معرفتها وبحثنا عنها ولم تأتي الينا..

قد تكون هذه مشكلتنا جميعاً يا عفيفة..

فعلياً لو أردنا تخيّل عقولنا كمكتبة، فربما تكون مكتبة غير مرتبة، ولا مبوبة، ولا تنظيم داخلها، لحتى تذوب المفردات مع بعضها ولا تسعفنا الذاكرة بما نبحث عنه ونحتاجه.

هناك مثل يقول: بلسانك تحترم وبلسانك تحتقر، لذلك برأي يمكننا ان نعرف خداع الشخص بطريقة كلامه والمواضيع التي يتحدث عنها..

صدقيني حتى اللسان أحياناً يخدع.. هنالك الذين أقنوا الدبلوماسية المفرطة، وامتلكوا الذكاء اللفظي، وعرفوا ردود أفعال الآخرين من دراسة سلوكيات أجسادهم.. مثل هؤلاء لن تحزري أبداً كيف يفكرون، وماذا يقولون، وما الذي تهدف إليه أقوالهم؟

يحدث كثيرًا جدًا، ويكون الأمر مستفزًا لأقصى حد، ولهذا أنا متشوقة لقراءة الكتاب للتعرف أكثر على فكرة الخارطة المعرفية وكيفية تنظيمها لو كان هذا ممكنًا.

المشكلة يا آية أنّ الكتاب لا يقدّم لك الكيفية أبداً.. إنه ليس أكثر من مقالات يشير الكاتب فيها لملاحظاته بشكل سلس ولطيف لكنه يترك الكيفية والحلول مفتوحة دون أن يقدّم لنا الطريقة!!.

نحن نلتقي بالعديد من الناس يوميًا ويكون تفكير كل فرد فيهم مختلف عن الأخر فالأكيد أن الجميع يمر بمواقف وظروف مختلفة، ولكن لأجيب على سؤالك، أعتقد فعلًا أن المفتاح الأول لمعرفة ولو نبذة بسيطة عنهم هو من خلال رؤية كيف يتصرفون ومن خلال مراقبة ردود أفعالهم وأعتقد أن هذا يعطينا فكرة تقريبية عن طريقة تفكيرهم، فالأقنعة لن تظل ثابنة دومًا مع اختلاف المواقف وتكرارها.

يبدو أنّ حقل التجارب مع الآخرين ما يزال محدوداً في علاقاتك آية.

هذا العالم غريب، ومن يعيشون فيه أشد غرابة.

في وظيفتي تعاملت مع أشخاص لا يمكنك أبداً فهم نواياهم.. حيث كان لدينا في المؤسسة مسؤول مهذب جداً، خلوق جداً، ذكي جداً، قليل الكلام، شديد الإنجاز..

استمر بالعمل معنا ستة أعوام، لم يستطع أحد يوماً فهم ما يهدف إليه.. كان يتحدث بالفكرة وتبدو فكرة رائعة وتخدم القطاعات في المدينة، ولاحقاً وبعد شهور طويلة يتبيّن بأن هذه الفكرة والتي طبخها على نار هادئة جداً ولم يحارب لأجلها لتبدو دون اهداف خاصة هي فكرة يخدم بها شخصاً بعينه -وإن كان هذا الشخص نفسه-.

هذا المسئول لم أره يخرج يوماً عن هدوءه ويخلع قناعه إلا مرة واحدة عدا ذلك يملك وجهاً جليدياً لا يمكنك أبداً فهم ما يجري خلفه وما يدور في ذلك الرأس.

سلوكياته وأفعاله تنمّ عن أخلاقه الكبيرة، لكن بالمقابل كان انتهازياً مستفيداً لأبعد الحدود.. وحين تناقشين الأمر لن يكون سهلاً أن يرى الجميع ذلك.. فقط المطلعون مَن يمكنهم ذلك.

يعني أنت تعتقد يا طه أن التوافقية بين الأفكار والسلوك مسألة حتمية؟؟

طيب.. وإن حدث العكس؟ حيث لا يمكننا إنكار أنّ هنالك مَن يمكنهم القيام بأمور لا تبدو متوافقة مع ما يدعونه من أفكار وقناعات.. ماذا يمكننا أن نسمّي مثل هؤلاء؟

أعتقد أن القراءة الحرة تحمي العقل من الوقوع في فخ الركود أو الجمود، كما أن العلاقات الاجتماعية، وحضور الندوات والدورات وورشات العمل في المجالات التي تحبها أو تتخصص بها، تمنح عقلك حدًا جيدًا من الحركة والتطور ولو كان قدر الاستفادة ضئيلًا.

هل تظنين ذلك كافياً لحماية عقولنا من الركود يا زينا؟؟

فأحياناً يكون القيام بهذه الأمور (وإن اختلفت نواتها) روتيناً يصيبنا ببعض الملل والجمود..

هل الزلزال الذي نحتاجه هو فقط بتغيير نوعية العادات أم يمكن أن يكون بتغيير العادات جميعها؟؟

أؤمن أن الفكرة في هي بذرة الحضارة البشرية التي نحياها اليوم لا الأفعال والعادات فحسب؛ لكنني أؤمن أيضًا أن أصعب شيء يمكن تحقيقه في العالم هو التنبؤ بتصرفات البشر، ومهما بدت معرفتنا ببعضنا وبأنفسنا حتى قوية، لا يمكن أن نتنبأ بشكل دقيق بالتصرفات التي قد تصدر، لأن البشر يتمتعون بالإرادة الحرة، فقد يتصرفون بعكس كل المبادئ و الأعراف والتوقعات وحتى الرغبات إن شاؤوا

إذاً فأنت تظنين أنّ السلوك أحياناً قد لا يعكس طريقة تفكير الأفراد؟؟

ممممم... الفكرة ملفتة على فكرة، أن يكون في عقولنا ترتيب وفي أفعالنا ترتيب آخر!!، ولا أقصد بالملفتة أنها لا تتبادر لأذهاننا بقدر ما أعني أنّ الكتابة بهذا الأمر سيكون جميلاً جداً.