لا يخفى علينا أن السجين يختبر شتى المشاعر بدءاً من فقدان حقوقه!، فخلف القضبان; لا حقيقة عدا أنّ الجميع مذنبين!، معاناتهم كتبها عالم النفس النمساوي فيكتور فرانكل أثناء اعتقاله في السجون النازية، لتنطلق نظريته في (العلاج بالمعنى)، تجربة خرجت في طيّات كتابه (الإنسان والبحث عن المعنى).

في كتابه نقل الكاتب تجربته التي استمرّت لثلاث سنوات في السجون مفصّلاً الحالة النفسية للسجناء، معبّراً عنها بمراحلها الثلاثة: الصدمة، والبلادة، وسيكولوجية السجين بعد الإفراج عنه.

بشكلٍ مؤلم يقول فرانكل: لم أكن سوى الرقم 119و104، لم نكن نحمل وثائق، يكفي كلّ فرد أن يملك جسده ورقمه.

مع الوقت، باتت المعاناة هي الأصل، حتى أَلِفها السجناء، فمشهد الإهانة سيصبح معتاداً، حتى بات الشعور السويّ مختفياً، ليصبح ردّ الفعل غير السوي إزاء موقف غير سوي هو استجابة سوية!!!

إلى أيّ حدّ توافقون فرانكل برأيه هذا؟ 

مهلاً، قبل أن تعارضوه أو توافقوه، اسمحوا لي أن أشرح رأيه:

يصف فرانكل الأمر بأنّ السجين لا يستطيع إلا أن يُدير وجهه عند أية إهانة، ومع الوقت يصبح بليداً لا يُبدي أي فعل، يقول: (قضيت فترة مع مرضى التيفوس، وبعد أن لقي أحد المساجين حتفه، كان المساجين يدنون منه ليسرق أحدهم قطعة بطاطس أو حذاءه أو سرواله، وكنت أشاهد هذا بغير اكتراث ودون أي تأثر مع مشاهد الموت المعتادة!، لقد طلبت إبعاد الجثة بكل بساطة).

ما هو العلاج بالمعنى؟

يتساءل فرانكل: هل لكلّ هذه المعاناة من حولنا معنى؟ هل للموت من حولنا معنى؟ إذ لم يكن الأمر كذلك فليس لبقائنا أي معنى!!، من هنا انطلقت تجربته في محاولة مساعدة المريض في علاج مشاكل الفراغ الوجودي! إنه لا يسعى لتحقيق حالة الاتزان والاستقرار للمريض كما في العلاج النفسي التحليلي بل لتوجيهه لهدف يعيش من أجله، وكأنه يقول بأنه حين يجد الإنسان أن مصيره المعاناة، فإن عليه أن يتقبّل آلامه ومعاناته كما لو أنها مهمة مفروضة عليه، حيث لا يستطيع أحد أن يخلصه من معاناته أو أن يعاني بدلاً منه، وتكمن فرصته في الطريقة التي يتحمل بها أعباءه ومتاعبه.

كتاب يستحق أن يُقرأ، أرشحه لكم واضعه مجموعة من الاستفسارات التي جالت بخاطري وأنا أقرأ التجارب فيه:

لأي حدّ سنكون سوانا حين نتعرض للصدمات، وكيف يمكن للتجارب القاسية والآلام النفسية أن تجعلنا نرى الحياة من منظور ضيق رغم أنها قادرة على جعلنا نكترث بالحياة؟

وهل العلاج النفسي والمساندة من المحيطين يمكننا من تجاوز الصدمات ؟ أم أنّ قسوة التجربة قد تترك أثرها في أرواحنا وتصرفاتنا؟.