ربما لن نضطر حينها لصناعة خزائن من الذكريات نحبس أنفسنا داخلها لنعيد تلك التفاصيل الحبيبة إلى قلوبنا معهم، بل سنحاول أن نخلق ذكريات جديدة نعيشها معاً، لأننا نتشارك وإياهم الحياة.

موت من نحبّهم وجع يستنطق أرواحنا المرهقة دونهم، لأجل ذلك نخاف الموت، ليس لأنهم رحلوا بقدر خوفنا كيف سنكون بدونهم!!

ربما توافقونني الرأي إذاً، بأنه كم جميل لو أمكننا إعادة من نحبهم من تحت التراب!!

مهلاً، القصة لم تبدأ بعد.

القصة تمت حياكتها بشكل جميل أتقنه الكاتب الأيسلندي أرنالدور أندريداسون في روايته أبناء الغبار.

في هذه الرواية يعيش (بالمي) وجع رؤيته لأخيه (دانيال) المحجوز في مستشفى الأمراض النفسية منتحراً من خلال إلقاء نفسه من النافذة.

وتبدأ أحداث القصة بالتصاعد حين يتزامن انتحار دانيال بحرق أستاذه في بيته وهو حيّ، لتنطلق رحلة البحث عن الإجابات التي تبيّن خلالها أن هنالك رابط بين وفاة الأخ وأستاذه ومجموعة من الطلاب بشكل غامض.

من هم أبناء الغبار في الرواية؟

إنهم طلاب مدرسة من إحدى الضواحي، نكتشف في الرواية بأنه قد تمّ استخدامهم كحقل تجارب لاستنساخ البشر.

 ولكن لماذا وقع الاختيار عليهم؟ 

لأنهم من خلفيات مصابة بأمراض نفسية أو أوضاع اقتصادية صعبة، أو ظروف عائلية معقدّة، حيث يمكن أن يكون وجودهم عبئاً على المجتمع إذا توارثوا عقليات وسلوكيات البيئة التي عاشوا فيها، لذلك كان يتم اختيارهم ليكونوا فأر التجارب، فمن يأبه بفأر فشلت التجربة عليه ومات، إذا كان نجاحها يعني خدمة البشرية وتطويرها والمساعدة على تقدّمها؟

بعد أن أقدّم لكم نصيحتي بتحصيل الرواية وقراءتها أتوقف معكم قليلاً، ومجموعة من الملاحظات التي دوّنتها وأنا أطالع الرواية:

  1. إذا تمّ تحرير العقل البشري وتمكينه من التجربة ليقوم باكتشافاته فإنّ ذلك قد يتعارض والمعايير الأخلاقية، مما يجعل العلم والأخلاق نقيضان، حيث يتم إحراز التقدّم العلمي، ولكن ماذا عن التقدم الأخلاقي؟
  2. على افتراض إمكانية إقامة تجارب على البشر، أين العدالة في اختيار الفئة المستهدفة بناء على خلفية حياتهم ونحن نملك ذات الحقوق!!، هل من الجائز إقامة التجارب على المجانين أو المحكومين بالإعدام والمدانين، لأنهم فقط فقدوا حريّاتهم وحقوقهم؟

والآن أعود لسؤالي الذي بدأته بأول المساهمة، ماذا لو عاد إلى الحياة مجدداً ذلك الذي كان جزءاً من حياتنا، لكنّ عودته مربوطة بنجاح تجربة على آخرين تمّ انتقائهم لأنهم عبء على الحياة، هل ستقبل إجراء التجربة في سبيل عودتهم؟