المجرمون طيبون... هذا ما يقوله دوستيويفسكي !!

نعم، أذكر أنني قرأتها منذ أكثر من خمس سنوات، وكعادة دوستويفسكي يمنح القارئ الذهول والحكمة رغم ما بأحداث رواياته من تفاصيل تحتاج المتابعة الدقيقة، وربما إعادة قراءة بعض الصفحات لإدراك الترابط في الفكرة.

لا يوجد شخص يملك الخير المطلق، أو الشرّ المطلق..

هنالك دوماً جزء من الاثنين في كلّ واحد منّا.. لكن أي جزء يعمّ ويكون الأقوى؟ ذلك هو خيارنا وقرارنا في النهاية.

وهل كون المجرم يمتلك شيئا من الطيبة يغير كونه مجرم مستحق للعقاب؟ لا اعتقد هذا.

سواء قاله دوستيويفسكي أو غيره، فالمجرم يظل مجرم حتى يتوقف عن الإجرام.

حين قرأت المقولة "المجرمون طيبون" عادت بي الذاكرة الى "كتاب كيف تكسب الاصدقاء وتؤثر فى الناس" والذي لا ابالغ ان قلت انني قد قرأته لربما 30 مرة واستخدم ما فيه وأوظفها في كتابة محتويات مختلفة. ففيه هناك صفحة كتبها الفيلسوف ديل كارينجى وكانت بعنوان " لكي تجني العسل لا تحطم خلية النحل"

وللاختصار فإن أهم ما ورد في القصة أنه ذات يوم اعتقل سفاح لم تشهد المدينة مجرما في مثل جبروته فقد ضرب خمس مائة رجل من رجال من رجال الشرطة الأشداء . فبينما كان رجال الشرطة منهمكين في إطلاق النار على المنزل الذي احتمى به كان كرولي عاكفا على كتابة خطاب موجه إلى "كل من يهمه الأمر" وقد جاء فيه " إن بين جوانحي قلبا محيرا ولكنه رحيم.. قلبا لا يحمل ضغيتة لأحد". ليس فقط وعندما جيئ به إلى غرفة الإعدام قال: "هذا هو جزائي على دفاعي عن نفسي". ليس فقط كرولي هو الوحيد الذي يدافع عن نفسه بهذه الطريقة بل الكثير من المجرمين فإنهم لم يلوموا أنفسهم ولا يعتقدون أنهم مخطئون.

من هنا يمكننا أن نقول ان الطيبة لا تعني الفعل أي قد لا تتنافى مع النتيجة وبالتالي فليس من العدالة ان نحكم على شخص هاديء بسلوك كان فيه يعاني من الغضب الشديد وربما ارتكب خطأ أدى الى نتيجة سيئة للغاية.

في الشخصية النمطية A هنا كقصة لرجل أعمال ناجح للغاية وكان عمره 45 عاما وقد اضطر لكي يخرج من عمله ليذهب مع زوجته الى احتفال اقامته مدرسته ابنتهم الوحيدة "سارة" . رجل الأعمال "أسعد" اوقف سيارته الحديثة عند بائع مأكولات سريعة وذلك لطلب زوجته التي انشغلت بتجهيز نفسها، وأسعد ينتظر دوره جاء طفل لا يتجاوز 15 عام اندس في الدور ووقف امام أسعد وتناول فطيرة من تلك التي تم اعدادها لأسعد. لقد استشاط غضبا وبدأ يصرخ والطفل كان يتناول الفطيرة ويبدأ في قضمها، لقد كان يعمل ميكانيكيا وقد أخذت اذن 10 دقائق للشراء والأكل وبالتالي كان يحتاج لكل دقيقة. لقد ذهب اسعد لسيارته واخرج مقبضا حديديا وضرب فيه الطفل الميكانيكي وقد امتلأت الفطيرة بدماء الطفل الذي ضرب رأسه على الأرض ليفارق الحياة بعد دقائق. لقد كان أسعد من أطيب مدراء المؤسسة التي يعمل بها وتحت مسؤوليته اكثر من 40 موظف وجميعهم يحبونه، وتعودوا على شخصيته واما زوجته فقد كان بالنسبة لها الملاك الذي لا يشبهه أحد. لقد حكمت المحكمة على المجرم أسعد بالاعدام. لقد مات الرجل الطيب ومن لم يعرفه كان يقول المجرم قتل الطفل من اجل فطيره.!!

أنهم يولدون صفحة بيضاء وبعدها يختار كل منهم طريقه

أظن ذلك ، كما قال ديل كارنيجي " حتي أكبر المجرمين هم أكثر الناس بحثاً عن الصفات البشرية مثل التقدير"

عندما نُزع منهم التقدير بحثوا عن طريق جديد يحصلون فيه علي إهتمام الناس وهي" الجريمة" لذا أظن أنه إنتزاع الإهتمام والصفات المطلوبة لتصبح أكثر إنسانية، وأغلب المجرمين لا يريوا أنفسهم مخطئين أساساً لإعتقادهم أنهم الجانب الطيب وأنهم أبطال قصصهم رغم إيذاء الناس.

هل قمتم بقراءة الرواية وما رأيكم بمقولة الكاتب؟

نعم، قرأتها منذ فترة ورأيي فيها أنها ملحمة بشرية بكل معنى الكلمة. أما عن المقولة فأنا أتفق معها تمامًا؛ ففكرة أن المجرمين يولدون أشرارًا ما هي إلا تسطيح شديد للأمور وأنها غير صحيحة على الإطلاق. فلا أعتقد حقًا أن هناك شيء مثل طفل يولد شرير إلا لو كنا نتحدث عن شخص بميول سيكوباتية، وهنا سيختلف الامر كثيرًا. ولكن في المجمل، أعتقد أن (الخير) و (الشر) هما تعميمان مبسطان للغاية، وليس حقائق موضوعية. لا يوجد إنسان جيد كليًا أو شرير كليًا، فجميعنا عبارة عن لوحة بها درجات متفاوتة من اللون الرمادي ولا يمكن أبدًا أن تكون بيضاء تمامًا أو سوداء تمامًا. ولا أحد منا يولد وهو يعرف كيف سيكون بعد عشرين أو خمسين عامًا، فنحن لسنا روبوتات مبرمجة مسبقًا.

حقيقةً، لم أقرأ الرواية من قبل لكن أثارني قول الكاتب: "إن في البشر -وحتى أعتى المجرمين- من السذاجة والطيبة فوق ما نتخيل.. وهذا يصدق علينا نحن"؛ حيث أننا حين نرى أشخاصًا قاموا بأفعالٍ سيئة كالقتل مثلًا ، لا نرى فيهم إلا الجانب السلبي ، ولا نتوقع أن يحملوا بين جنباتهم أي طيبة.

لكني أعتقد أنه بالفعل يوجد جانب إيجابي داخل كل مجرم، لكن الجانب السلبي طغى عليه، لذلك برز في سلوكه؛ وقد قرأت في قصة لقاطع طريق كان يغتصب أموال الناس بالباطل ومع ذلك فقد تحرك قلبه حين رأى شخصًا يسرق حلوى من شيخٍ كبيرٍ في السن قد جلبها لإدخال السرور على قلب بناته، فقام بضرب السارق وأعاد الحلوى للرجل.

ربما يكون الشر والخير داخلنا جميعًا ولكن نحن مسؤولون عن تغذية أيٍ منهما فأيهما غذيناه ظهر على أفعالنا.