"لا يهتم الإنسان بالمشاكل الحقيقية، بقدر ما يهتم بقلقه المتخَيّل من تلك المشاكل".."ما أنصحك به هو ألا تكون تعيسا قبل حلول الأزمة؛ فهي بالتأكيد لم تأتي بعد"!

هذه تعاليم رائدي الفلسفة الرواقية "أبكتيتوس" و" سينيكا" على التوالي، فلقد حرصا أن يعيش أتباع المذهب الرواقي بعيدا عن الضغوط النفسية، ومشاعر الحزن والقلق قدر الإمكان... والرواقية -Stoicism-هي مذهب فلسفي أنشأه الفيلسوف اليوناني زينون في القرن الثالث قبل الميلاد.. ولقد أثرت هذه الفلسفة على عدد من الشخصيات الفلسفية المهمة في مختلف العصور أمثال: رينيه ديكارت، توماس مور، باروخ سبينوزا، وغيرهم.. كذلك تم الربط في بداية القرن الحادي والعشرين، مابين الرواقية والعلاج السلوكي المعرفي بعلم النفس.. ولعل ما ساهم في انتشار هذه المدرسة الفلسفية واستمرار أثرها حتى عصرنا الحالي هو إرتباطها الوثيق بالحياة، والممارسات الإنسانية.

وتمثلت الدعوة الأبرز للرواقية في عدم القلق أو الحزن على ما هو خارج عن إرادتنا وسيطرتنا، ومحاولة العيش في وفاق مع الطبيعة.. والطبيعة هنا تشير بمعناها الواسع إلى قوانين الوجود، وبمعناها الضيق المتصل بسلوك الإنسان تشير إلى العقل.. وكلاهما يجب التوافق معه لإدراك السلام النفسي.. فالإنسان الحكيم، لا يندب على الأشياء التي لا يملكها، بل يفرح بما لديه..

كذلك دعت الرواقية للتخلص من شعور الهزيمة الذاتية، وهي تلك العادة الإنسانية المرهقة للاستعداد لكارثة وهمية! فكثيرا ما نقضي فترات من حياتنا قلقا وخوفا وربما حزنا على مصائب "مُتوقَعة" لم تحدث بعد، وربما لن تحدث أبدا.. لكن معظمنا اعتاد القلق وإجهاد نفسه بشكل مسبق!..فما الذي سنكسبه جراء القلق بشأن أمر لا نستطيع التحكم فيه، لأنه ببساطة ليس ضمن إطار سيطرتنا؟! أو الغضب على نتيجة لم تكن من فعلنا؟! إننا بذلك نضيف ضررا ذاتيا للوضع مما يهدد سعادتنا وسكوننا.. فالأشياء الخارجية لا تؤثر بذاتها فينا ولكن المؤثر الحقيقي هو الاستعداد النفسي الذي يجعلنا نحكم عليها، لنصفها بالحسن أو القبح، بالخير أو الشر، وهذه الأحكام هي سبب شعورنا بالسعادة أو بالشقاء.. فسقراط مثلا، نظر للموت على أنه أمرٌ خيّر، يححمل له الخلاص، ولذلك لم يجزع أو يتحسر قبل إعدامه!

ومن بين تعاليم الرواقية العديدة، أرى أن أهم ممارسة فردية في الفلسفة الرواقية تتمثل في، القدرة على التمييز بين ما يمكن للفرد تغييره وما لا يستطيع تغييره.. فلو تمكن كل منا من إستيعاب حدود قدراته؛ لما حزنّا على سفاسف الأمور، ولا أضعنا الكثير من الوقت بمعارك لا يمكننا الفوز بها من الأساس!!

برأيكم هل تساعدنا هذه الآلية للتعامل مع مشاكلنا بحكمة أكبر؟.. وأي من التعاليم الرواقية المذكورة يمكن الاستفادة منه بحياتنا المعاصرة؟ وهل سبق لكم أن قلقتم بشدة أو حزنتم على أشياء، لكنها لم تحدث فيما بعد؟