كنتُ أقرأ لسفر عياد اليوم تدوينة (1) يتحدّث فيها عن مشكلة ترجمتنا للأفكار الغربية من دون تعريبها، وكان يقصد أنّنا أحيانًا نقبتس الأفكار المرسّخة في ثقافات تختلفُ عنّا، ونظنُّ أننا بترجمتنا لها قد حقّقنا المُراد، وليس هذا إلّا الخطوة الأولى، فالاختبار الحقيقي لهذه الأفكار هو أن تصمد أمام ثقافتنا وتحدّياتها.

وبالحديث عن الأفكار الغربية، تعرفون مؤقت الطماطم؟ ربما هو أشهر باسم مؤقت البومودورو، وهي طريقة شائعة لتنظيم الوقت، والفكرة أن تعمل لمدّة 25 دقيقة، وتأخذ راحة 5 دقائق، وتستمر هكذا إلى أن تزداد الراحة إلى 20 دقيقة بعد 4 جلسات، أمّا باقي الاستراحات فلا يعرف بأمرها أحد، الفكرة أن تستمر إلى أن تلقى الله وأنت شهيد.

حقيقة فكرة هذا المؤقت ليست جديدة، فالبشر يعتمدون على الوقت لبدء مهامهم وانتهائها، هذا ما تفعله المدارس منذ زمن، الفرق هو أن تتغيّر الدقائق، في مدارسنا كنّا نأخذ حصّة من 45 دقيقة ولا أحد يعلم عمّا إذا كان هذا الوقت هو الأفضل للتركيز أم أنّه حشو لتعود الأستاذة سُعاد إلى منزلها فتحضّر الغداء قبل حضور زوجها، وبعضهم يفضّل وقتًا أطول، هذا مقال (2) لبرنامج Desktime والذي يقول أنّ أفضل مدّة للجلسات المُنتجة هي 52 دقيقة.

ولكي لا أظلم المؤقت، ففكرة أخذ استراحة بعد فترة من الزمن، والسماح لعقلك بأن ينفصل قليلًا من جوّ العمل، هي فكرة أثبتت فائدتها علميًا وطبيًا (3) لكن هل البومودورو هو الحلّ الأمثل؟ أيصلح قالبًا جامدًا من 25 دقيقة على جميع البشر؟

1- البومودورو عدوّ الابداع

هذه الطريقة جيّدة للمهام الروتينية، لكن عندما تكون في جوّ يتطلّب شيئًا من الابداع، فالـ 25 دقيقة ليس فيها مُرونة، وكلما دخلتَ في مزاج العمل، وحسّ الانغماس في التركيز، سحبك هذا المؤقّت منها، وإذا أكملتَ مبكرًا عملًا ما، هل ستنتظر إلى نهاية المؤقت تراجع القديم وتحدّق في الفراغ؟

2- البومودورو ليس مرنًا

عندما نتحدّث عن جداول المدرسة، فالكل مُلزم أن يلتزم بها، لكنّ الأمر في المنزل وبعض بيئات العمل يختلف عن ذلك، فلو بدأت مؤقتًا من 25 وأوقفك أحدهم عن العمل لدقائق، هل ستعيد؟ هل ستُكمل؟ كيف ستعامل الدقائق الضائعة؟ ألن تشعر باحباط لا داعي منه؟

3-بين الثالثة والرابعة

أكثر التحدّيات مع البومودورو هو أن تعود للعمل بعد الاستراحات، الاستراحة قليلة وليست مُمتعة، وقد تكون قويَّ الارادة في مرّة، مرّتين، لكنِّي من تجربتي، أسقط في الثالثة، ولا أعود للحصّة الأخيرة أبدًا، خصوصًا وأنّه سيكون في جيبك 75 دقيقة من التركيز، وهذه تُعطيك شعورًا من الرضا، في الواقع أقمتُ احتفالية قبل أشهر في أحد منشوراتي، لأوّل مرة في حياتي، أكملتُ 4 حصص طماطمية متتالية!

هناك من يتبّع طريقة ليبرالية متحرّرة في جدول أوقاته، فيعمل حسبما يُريد، ويعود من الراحة حسبما يُريد، لكنّها طريقة خطرة على الكُسالى مثلي!

بين التشدّد والتحرّر، هاك حلًا

أحسن ابداع البشر يأتي من المنطقة الوسطى، التي تقع بين التحرّر الكامل، والتشدّد الجامد، عندي طريقة، وهي أنّ تدرس في الوقت الذي يُعجبك، بالمدّة التي تُعجبك، ولكن بشرط، أن تاخذ ثلث الوقت الذي عملته راحة.

لو عملت ساعة، ستحصل على عشرين دقيقة راحة، ولو عملتَ 6 دقائق، ستأخذ دقيقتين راحة، والأمر لك!

لو طُبّقت الطريقة بشكل مثالي، فستقضي ثلث اليوم في العمل، ولو كنتَ أقل من المثالية، ولنقل حقّقت 5 ساعات، فالأمر أمتع من 12 جلسة بومودورو جامدة!

الذي يُعجبني في الطريقة هو أنّها توفّر احساسًا تنافسيًا، فأنت ستحصل على راحة بقدر ما تبذل من مجهود، لطالما رأيت على المؤقّت وشهدتُ أنّي درستُ 45 دقيقة، سأحصل على 15 دقيقة راحة، لأجعلها عشرين بربع ساعة اضافية!

الطريقة مرنة أيضًا، لو قاطعكَ أحد ما، فاحسب ما درستَ من وقت، ثمَّ قسّمه على 3 وخذ استراحتك.

قد تخرج الطريقة عن السيطرة إذا لم تضمِّنها في جدول يومي، فأقترح أن تجعل لك حصّتين، حصّة صباحية تنتهي بفترة الغداء، تفصلها عن الثانية استراحة غداء سخيّة لا علاقة لها بالوقت الذي عملته، ثمّ حصّة مسائية تنتهي بوقت محدّد تُنهي فيه جدولك.

إذا كُنتَ من البقيّة الصالحة التي تلتزم باستراحات البومودورو بانضباط الروبوتات، وتُكمل أربع جلسات متتالية، فافخر بنفسك، واكتب لنا تعليقًا، أتمنى أن تتخطّى اختبار الكابتشا بنجاح هه!

هوامش:

(1) تدوينة سفر عيّاد

(2) مقال Desktime

(3) بحث عن أهمّية الراحة