عقلية الفضول مقابل عقلية إصدار الأحكام.. هل نستطيع تقبل مبدأ "عدم التحقق" لتحليل الموقف بموضوعية؟

اصدار الاحكام هو واحد من اسوء المصائب والمغالطات المنطقية والعاطفية التي يمكن ان يعاني منها اي شخص .

يعلمنا رونيه ديكارت درس رائع عن الاحكام المسبقة يقول بأن الاحكام المسبقة تشبه القصور الامبراطويرية البالية التي تبدو ا من الخارج فخمة ومغرية لكنها من الداخل بيت للاشباح والارواح الشريرية ، الفكرة هي ان الاحكام المسبقة تبدوا مغرية لانها مشبعة ظاهريا لانانيتنا ولحبنا لامتلاك الحكمة، لكنها في العمق ليست صحيحة ابدا، ولكلها دون استثناء مجرد حصون فارغة ما تبث ان تتهاوى امام اي تجربة او فكرة نقدية بسيطة.

احسن الدروس التي يعلما ايا ديكارت لاختبار اي حكم مسبق هي ان تعرضه لاختبار البداهة، ما معنى ذلك ؟

يقول ديكارت ان واحدة من علامات ان فكرة كما صحيحة، هي ان تكون بديهية ، اي ان لا تحتاج الى ما يثبت صحتها او خطأها.

واذا بقنا هذا على الاشخاص، فالفكرة البديهية الصحيحة الوحيدة في العلاقات هي ان الاشخاص يتغيرون ولا توجد مطلقيات في اي علاقة، لا ثقة مطلقة ولا حب مطلق ولا التزام مطلق...الخ .

اذا عشت بعقلية بداهة التغير لن يكون لذيك ابدا احكام قبيلة على الاشخاص لانك سوف تتوقع اي شيء من اي شخص في اي وقت.

أرى أن من يتعامل بهذا المنطق، ما هو إلا شخص نقي يتعامل بفطريتة الشديده، بالتأكيد يؤخذ عليه وضع الثقة والأمان لكل من هم حولة ولكن ينقصة الخبرات في التعامل لكشف الأشخاص، النضج يأتي من الوقوع في الأخطاء والمرور بالتجارب الكثيرة التي تصقلنا، مع مرور الوقت نجد أنفسنا نمتلك الخبرة الكافية لذلك، أما التعامل مع أي شخص جديد التعامل بحرص هو الحل الأمثل، حتى يتكشف أمامنا الشخص المراد.

أعتقد أنّ عقلية الفضول مقابل إصدار الأحكام عقليّة مرتكزة على تحيّزاتنا الشخصية وآرائنا السابقة والتي تؤثر على قدرتنا في اتخاذ القرارات. هذا المبدأ في التعامل مع الآخرين يحرمنا من أمر أساسي وهو الاستفادة من المعلومات الجديدة التي قد تحمل وضعًأ مختلفُا عمّا تصورّناه. ولذلك من الضروري قبل اتخاذنا اي أحكام مجحفة التقييم المتأنّي والتحرّي والاستفسار قبل اتخاذ أي قرار.

موضوع ممتاز ودعيني أخبرك برأيي مباشرتاً / هناك عدة أسباب تجعلنا نرى عقلية الفضول على أنها مهددة لثقتنا بأنفسنا في بعض الأحيان. أحد الأسباب هو أن إصدار الأحكام يعطينا شعورًا بالسيطرة والتحكم. عندما نصدر حكمًا على شخص أو موقف، فإننا نضع أنفسنا في موقع الحكم والسلطة. هذا يمكن أن يكون مصدرًا للراحة والرضا، خاصةً عندما نشعر بعدم الأمان أو التهديد، سبب آخر هو أن إصدار الأحكام يمكن أن يساعدنا على الشعور بالانتماء إلى مجموعة معينة. عندما نتفق مع الآخرين بشأن ما هو جيد أو سيئ، فإننا نشعر بأننا جزء من شيء أكبر منا. هذا يمكن أن يكون مصدرًا للدعم والشعور بالانتماء، خاصةً عندما نشعر بالوحدة أو الضياع، عندما نتعامل مع عقلية الفضول، فإننا نفتح أنفسنا لإمكانية أن نكون على خطأ. هذا يمكن أن يكون تهديدًا لثقتنا بأنفسنا، لأننا نعتمد على قدرتنا على الحكم بشكل صحيح. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون الفضول مصدرًا للتوتر والقلق، لأننا قد نضطر إلى مواجهة أفكار أو مشاعر غير مريحة.

هل تعتقد أن عقلية إصدار الأحكام تمنعنا من التطور والنضج سواء في حياتنا العملية أو المهنية؟

نعم، أعتقد أن عقلية إصدار الأحكام يمكن أن تمنعنا من التطور والنضج سواء في حياتنا العملية أو المهنية. عندما نصدر الأحكام، فإننا نميل إلى تجاهل المعلومات الجديدة أو الأفكار المختلفة. هذا يمكن أن يحد من قدرتنا على التعلم وتطوير أنفسنا.

على سبيل المثال، إذا حكمنا على شخص ما بأنه غير كفء، فسنكون أقل عرضة لمنحهم الفرصة لإثبات أنفسهم. إذا حكمنا على موقف بأنه غير عادل، فسنكون أقل عرضة لبذل الجهد لتغييره ، و في حياتنا العملية، يمكن أن تؤدي عقلية إصدار الأحكام إلى اتخاذ قرارات سيئة. على سبيل المثال، إذا حكمنا على منتج بأنه سيء، فسنكون أقل عرضة لشرائه. إذا حكمنا على موظف بأنه غير مؤهل، فسنكون أقل عرضة لتوظيفه، و في حياتنا المهنية، يمكن أن تؤدي عقلية إصدار الأحكام إلى علاقات متوترة مع الآخرين. على سبيل المثال، إذا حكمنا على زميل بأنه منافس، فسنكون أقل عرضة للتعاون معه. إذا حكمنا على رئيسنا بأنه غير عادل، فسنكون أقل عرضة لاحترامه.

متى نستطيع استخدام كليهما بشكل مناسب للموقف؟

في بعض الأحيان، يكون إصدار الأحكام أمرًا ضروريًا. على سبيل المثال، إذا كنا نواجه موقفًا خطيرًا، فيجب علينا اتخاذ قرار سريع. في هذه الحالات، قد لا يكون لدينا الوقت أو المعلومات اللازمة لاتخاذ قرار بناءً على الفضول.

في حالات أخرى، يمكن أن يكون الفضول أكثر فائدة من إصدار الأحكام. على سبيل المثال، إذا كنا نحاول حل مشكلة، فقد نحتاج إلى جمع المزيد من المعلومات قبل إصدار حكم. في هذه الحالات، يمكن أن يساعدنا الفضول على رؤية المشكلة من زوايا مختلفة وتطوير حلول أكثر إبداعًا.

عموماً من المهم أن نكون قادرين على استخدام كل من عقلية إصدار الأحكام والفضول بشكل مناسب للموقف. عندما نكون قادرين على القيام بذلك، يمكننا اتخاذ قرارات أكثر حكمة وتحقيق أهدافنا بنجاح أكبر.

أعتقد أن الأمر يختلف من أمرٍ لآخر ومن شخصٍ لآخر لكن ما علمني إياه الوقت أننا نحتاج أحيانًا إلى إطلاق الأحكام في بعض الأوقات، فقد يكون الحكم الذي أطلقناه سينقذنا من شرٍ مُعين، وبكل تأكيد لن نُعيد إختراع العجلة من جديد كُل مرة.

وبالبطع لا أبرر هنا إطلاق الأحكام في المطلق ولا بشكلٍ مستمر وعشوائي، ولكن أحيانًا تُرشدنا الكثير من الأمور على أننا يجب أن نطلق الحكم لننقذ نفسنا .

عقلية إصدار الأحكام أهم ما قد غيّرته في حياتي، كنت استمع إلى الدكتور أحمد عمارة وهو استشاري للصحة النفسية، طبيب مصري، وكان يقول أنّ مسألة وضع الأحكام تؤثّر على كل جوانب الحياة النفسية والإبداعية، قلت سأجرّب التحكّم بهذا الأمر وبالفعل لمست تغييرات إيجابية كثيرة، وأكثر ما لاحظت أنّ الأحكام تُدمّره هو أنّها تخنق الإبداع والابتكار، وأقول أخنق لإنهُ يكون موجود، طاقاتنا الإبداعية موجودة ولكن الأحكام أمر يقيّد ويخنق هذه الأمور فيثبّط راحتها! حيث يسارع العقل الذي يعشق أن يقوم بالأحكام إلى رفض الأفكار أو الأساليب الجديدة وغالباً ما يكون ذلك دون الاهتمام والمبالاة! وهذا يمكن أن يخنق الإبداع والابتكار ويمنعنا من استكشاف إمكانيات جديدة وإيجاد حلول للمشاكل المعقدة.

طبعاً ناهينا عن أنّنا حين نقوم بهذه الأحكام القاسية فإننا أقل عرضة للمجازفة أو طرح الأسئلة أو طلب التعليقات من الآخرين التي يمكن أن ترقّينا وتطوّرنا! وهذا يمكن أن يحد من تعلّمنا ونمونا حيث نضيع فرصاً قيّمة لتحسين مهاراتنا ومعارفنا.

بشكل عام، عقلية إصدار الأحكام السريعة تنبع من عدة عوامل منها التحيز الشخصي وتجاربنا السابقة. قد يرتبط هذا السلوك برغبتنا في تقديم إجابات سريعة ومريحة لتفسير العالم من حولنا. قد يكون الفضول يُشاهد أحياناً على أنه تشكيك أو عدم ثقة، مما يؤدي إلى تراجع الثقة بالنفس في بعض الأحيان. في رأيي أن الفضول يمكن أن يكون أداة قوية للتعلم والتنمية الشخصية. عندما نتبنى عقلية الفضول، نفتح أنفسنا لفهم أفضل للظروف والأفراد ونتيح لأنفسنا فرصة للتطور والنضج. إستخدام الفضول بشكل مناسب يتطلب التوازن بين تقدير الوقائع والاستمرار في البحث عن فهم أعمق. عقلية إصدار الأحكام السريعة هي عقلية تشكل عائقاً للتطور والنضج، إذ تحد من قدرتنا على التفاعل مع التنوع وفهم الآخرين بشكل أفضل. استخدام الفضول بشكل مناسب يكون عندما نتمكن من تحقيق توازن بين التقدير الحذر والاستعداد لاستكشاف وفهم أكبر.

وبالنهاية أنا لا أفضل التعامل مع مصدري الأحكام، وإنما يجب على الشخص التمهل وعدم الحكم مباشرة إلا عندما يعرف الحقيقة كاملة، قد يتطلب الأمر الوقت، لكنه أفضل من أن ترمي أحدهم بما ليس به.

أرى أن إصدار الأحكام قد يأتي من النضج لا العكس مثلما يروج.

فالمؤمن لا يلدغ من حجرٍ مرتين، إذا انتظرنا التجربة كل مرة، حتى نطلق الحكم، ونسمي الأشياء بمسمياتها، سنضر أنفسنا كثيرًا.