العكس المقلوب بقلم: عبدو بليبل في بداياتِ الحياةِ كان النورُ... همَّ من مكمنِهِ فمشى، وكان النورُ رمزًا من رموزِ الحقيقة؛ رمزًا للصدقِ ورمزًا للعدالة. ولكن، ومن دونِ درايةٍ منهُ وتبصُّر، غاص في بحرِ الظلمات، وهوى في أعماقِ الكذبِ والاحتيال... حتى صار الصدقُ كذبًا، والحقُّ جريمة. وكذلك فعل الكذبُ، وهو رمزٌ للجهلِ والظلامِ والمكر؛ فخرج من كهفِهِ الأسودِ القاتم كماردٍ جبّار، حيثُ خضع له الجميع، فهم يحبّونه ويحترمونه. هو يشبه الملوكَ والحكامَ والسلاطين، هو قاتلٌ محبوب، ومجرمٌ لكنه حاكمٌ مرغوب. الناسُ
14 نقاط السمعة
849 مشاهدات المحتوى
عضو منذ
البحر
البحر بقلم عبدو بليبل لَمْلَمَتِ الشَّمْسُ أَذْيَالَها، فَتَخَلَّتْ عَنِ التِّلَالِ وَالرَّوَابِيِ الْبَعِيدَةِ، الَّتِي ٱتَّشَحَتْ بِلَوْنٍ رَمَادِيٍّ بَاهِتٍ. وَٱقْتَرَبَتْ مِنَ الْبَحْرِ، فَرَسَمَتْ عَلَى سَطْحِهِ لَوْنًا وَرْدِيًّا جَمِيلًا، كَأَنَّهَا تُرِيدُ مُعَانَقَةَ الْمَاءِ، لِتَعِيشَ فِي أَعْمَاقِهِ السَّاكِنَةِ مَدَى الْعُمْرِ. لَكِنْ صَوْتًا مَا خَرَجَ مِنَ الْقَاعِ، وَكَأَنَّ هَذَا الْبَحْرَ الْعِمْلَاقَ يَقُولُ شَيْئًا، بَعْدَ أَنْ ٱرْتَفَعَتْ أَمْوَاجُهُ، وَتَحَوَّلَتْ مِيَاهُهُ الثَّائِرَةُ إِلَى فُقَاعَاتٍ بَيْضَاءَ، كُلَّمَا ٱرْتَطَمَتْ بِالصُّخُورِ الْعَالِيَةِ، لِتُبْعَثَ أَمَلًا جَدِيدًا بِالْحَيَاةِ. فَقَالَ: ــ أَيَّتُهَا الشَّمْسُ الْحَبِيبَةُ، هَذَا الْمَسَاءُ يَقْتَرِبُ، لِيَجْمَعَ بَيْنَنَا بِلِقَاءٍ عَظِيمٍ، فَيَبْسُطَ وِشَاحَهُ
الحياة والموت
.الحياةُ والموتُ بقلمُ عبدو بليبل الحياةُ بُقعةٌ من الموتِ، محصورةٌ في زوايا صغيرةٍ، ما بين أصابعِ القَدَرِ وأصابعِ المجهولِ. والموتُ كَفَنٌ رهيبٌ، يرمينا في أعماقِ الظلامِ... الموتُ حياةٌ أبديةٌ تنبثقُ من بينِ ثنايا النورِ، فتسبحُ الروحُ محلقةً بأجنحةِ الحريةِ، إلى ما فوق هذا العالمِ المضمحلِّ، وهذا الضجيجِ، والصراخِ، والعويلِ. الحياةُ خليطٌ هائلٌ من القسوةِ والأنانيةِ. تحملُ في طيّاتها سحرًا قاتلًا يشدُّنا إليها، فنعشقها حتى الجنونِ، ونتحوّلُ إلى آلةٍ صمّاءَ لا تسمعُ ولا ترى غير هديرِ الطمعِ وأمواجِ التملّكِ. نفتحُ أفواهَنا
الحجر
الحَجَر بقلم: عبدو بليبل ومرَّ مليونُ عام، وأنا حَجَرٌ في حديقة. يتقاذفني الأطفالُ مثلَ كرةٍ، ثم يضحكون. فقلتُ في نفسي مُستغرِبًا: قبلَ مليونِ عامٍ وأكثر، كنتُ موجودًا في مكانٍ آخر، لكنَّني كنتُ كائنًا يتحرَّك. ألعبُ، وألهو، وأضحكُ، كما الأطفالِ في الحديقةِ يلعبون... غيرَ أنّني، وبفَجأةٍ واحدة، غمرني الظلامُ، وفقدتُ الحياة. وفي صبيحةِ يومٍ، استفقتُ من نومٍ لا أعرفُ ما كان، فوجدتُ نفسي حَصاةً منزوعةَ الحياة. تتقاذفني الرياحُ، وتحملني العواصفُ من مكانٍ إلى آخر، إلى أن وصلتُ إلى هذا المكانِ البعيد،
قمر لم يكن هناك
قَمَرٌ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ بقلم: عَبدُو بَليبِل عَلى ذٰلِكَ الطَّرِيقِ الخَرِيفِيِّ، كُنتُ أَمْشِي دُونَ ظِلٍّ، كَما لَوْ أَنَّنِي غَادَرْتُ جَسَدِي مُنْذُ أَعْوَامٍ... ٱلشَّجَرُ يَبْكِي أَوْرَاقَهُ كَـمَنْ يَعْتَذِرُ مِنَ الغِيَابِ دُونَ أَنْ يَعْتَذِرَ. ٱلسَّمَاءُ مَائِلَةٌ إِلَى ٱلرَّمَادِ، وَٱلْهَوَاءُ مَمْلُوءٌ بِصَوْتٍ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ، كَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَنْتَظِرُ... قَمَرًا لَمْ يَأْتِ، عَاشِقًا لَمْ يَعُدْ، وَذَاكِرَةً أُغْلِقَتْ عَلى نِصْفِ حُلْمٍ. كُلُّ خُطْوَةٍ كَانَتْ تَسْأَلُنِي: "هَلْ تُرَى، مَا زِلْتَ تُحِبُّهَا؟" فَأُجِيبُهُنَّ بِٱلصَّمْتِ، فَقَطِ ٱلْأَوْرَاقُ كَانَتْ تَفْهَمُنِي، تَتَسَاقَطُ وَاحِدَةً تِلْوَ ٱلأُخْرَى، كَمَا تَسَاقَطَتْ وُعُودُهَا مِنْ
بقايا عمر
بَقَايَا عُمْر هُناكَ... أَمْضِي بَعِيدًا وَحْدِي... أَبْحَثُ عَنْ ذَاتِي وَعَنْ بَعْضِ أَحْلَامِي، عَنْ حِكَايَةٍ أَبْتَدِئُ بِهَا، أَوْ لَا أَبْتَدِئُ. فَتَذُوبُ مُخَيِّلَتِي وَتَتَنَاثَرُ فِي الهَوَاءِ، وَتَذُوبُ حِكَايَتِي فِي رَأْسِي وَفِي أَفْكَارِي، كَمَا الثَّلْجِ فِي نِهَايَاتِ الشِّتَاءِ. أَهْمِسُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَبْحَثُ مِنْ جَدِيدٍ، عَنْ فَرَحِي وَعَنْ أَجْنِحَتِي، عَنْ مَاضِي العُمْرِ الَّذِي مَضَى سَرِيعًا مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَطَارَ إِلَى السَّمَاءِ... طَارَ كَطَائِرٍ غَرِيبٍ، طَارَ وَحَلَّقَ بَعِيدًا عَنِ الأَحْدَاقِ، وَاخْتَفَى وَرَاءَ السُّحُبِ وَالضَّبَابِ. عُمْرِي بَعْضُهُ بَقِيَ فِي جَسَدِي، كَوَرَقَةٍ تَسْبَحُ، ثُمَّ تَتَمَايَلُ، ثُمَّ تَغْرَقُ
صور خفية
صُوَرٌ خَفِيَّةٌ بقلم: عبدو بليبل ما نَحنُ إلَّا صُورَةٌ أَثِيرِيَّةٌ لِحَقِيقَةٍ تُحَدِّقُ بِنَا، فَلَا نُدْرِكُ وُجُودَهَا، لِأَنَّنَا نَسْبَحُ فَقَطْ عِندَ شَوَاطِئِهَا البَعِيدَةِ. وَمَا نَحنُ إِلَّا ظِلٌّ يَسِيرُ خَلْفَ الأَصْلِ، نَقِفُ عِنْدَمَا يَقِفُ، وَنَمْشِي عِنْدَمَا يُومِئُ إِلَيْنَا بِذَلِكَ. وَمَا أَعْمَالُنَا إِلَّا وَهْمٌ ظَاهِرٌ لِحَقِيقَةٍ مُتَخَفِّيَةٍ وَرَاءَ لُحُفِ الحَيَاةِ، الَّتِي لَا تَقُولُ كَلِمَةً قَطُّ، بَلْ تَهْمِسُ هَمْسًا مِنْ خِلَالِ عَنَاصِرِهَا المُتَوَاجِدَةِ حَوْلَنَا، وَبِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ. الحَيَاةُ تُطِلُّ عِنْدَمَا تُرِيدُ، وَتَخْتَفِي كُلَّمَا هَبَّتْ عَاصِفَةٌ هَوْجَاءُ، لِتَخْتَبِئَ خَلْفَ سِتَارِ المَادَّةِ، وَتَبْتَسِمَ كُلَّمَا أَرَادَتِ الِابْتِسَامَ. نَمُدُّ
حديقة الحب
حديقة الحب الحب في أن تقول لمن تحب كلمات، ترفعه فيحلق عالياً وأن تجعل قلبه مثل حمامة، ترفرف فوق حديقة العشاق. والحب مدرسة تحتوي على كل الكتب الثمينة والمجلدات. فأنت تعشق القراءة حتى الجنون. ليس الحب كلمات بالمعشوق تأخذه في حلم جميل. ثم تتركه يهو حتى الموت. بل أن تحمله بيدين ناعمتين وان تحتضنه حتى ينام... والحب كالثلج النفناف، يتساقط على قلبك فيجعله قطنا ناصع البياض، فترتوي من قطراته حتى الإكتفاء لا تخف من الحب لأنه كالزهرة تحلق برأسها في
رحيل الماضي
رحيل الماضي وبينما كنتُ أعدو باتجاه الشمس، التي طفقت تميد غاربة نحو البحر. فهمَّت تلملم ما بقي من نسيج خيوطها الوردية الملقاة كوشاح شاحب فوق جسد الماء البارد. ثم خلّفت وراءها أشباحاً سود، راحت تلاطم الأمواج الهائجة لتلقيها جثثاً ممددة على رمال الشواطئ. ففي تلك الوهلة الرهيبة، المترنحة بين تململ الضوء وولوج الظلام. تلفّت وبي شغف لأرى ماضي الأمس، فأفتش في الذكريات الغابرة عن قبس أو عن ظلمة، عن فرح أو عن كآبة. فرحتُ أحدق في ما خبا وما اختفى