.الحياةُ والموتُ

بقلمُ عبدو بليبل

الحياةُ بُقعةٌ من الموتِ، محصورةٌ في زوايا صغيرةٍ، ما بين أصابعِ القَدَرِ وأصابعِ المجهولِ. والموتُ كَفَنٌ رهيبٌ، يرمينا في أعماقِ الظلامِ... الموتُ حياةٌ أبديةٌ تنبثقُ من بينِ ثنايا النورِ، فتسبحُ الروحُ محلقةً بأجنحةِ الحريةِ، إلى ما فوق هذا العالمِ المضمحلِّ، وهذا الضجيجِ، والصراخِ، والعويلِ.

الحياةُ خليطٌ هائلٌ من القسوةِ والأنانيةِ. تحملُ في طيّاتها سحرًا قاتلًا يشدُّنا إليها، فنعشقها حتى الجنونِ، ونتحوّلُ إلى آلةٍ صمّاءَ لا تسمعُ ولا ترى غير هديرِ الطمعِ وأمواجِ التملّكِ. نفتحُ أفواهَنا الجشعةَ، نبتلعُ كلَّ ما هو موجودٌ، ونشربُ البحارَ فلا نرتوي.

الموتُ هدوءٌ يرتاحُ في الفلا البعيدِ، حيثُ الصمتُ والسكونُ والراحةُ المطلقةُ. هناك لا مطامعَ ولا مالَ ولا دماءَ تسيلُ من أنيابِ الجشعِ وسكاكينِ الأحقادِ.

الحياةُ فسحةٌ من الجنونِ والتفرّدِ.

الموتُ رحلةٌ متكاملةٌ من الغبطةِ والسحرِ، تُداعبُ فيها أرواحُنا فتختلجُ وتطيرُ بأجنحتها البيضاءِ، وتلامسُ ما هو أبعدُ من ما نراهُ أو ندركه.

هنا، قتلٌ وموتٌ وأحقادٌ، ونفوسٌ ثائرةٌ بيتُها الغابةُ، أمّا قلبُها فيبتهجُ فرحًا أمام النعوشِ الملطّخةِ بدماءِ الحضارةِ.

أما هناك، فأرواحٌ ترقصُ وتمرحُ، ترفرفُ بأجنحتها عاليًا، وتنامُ وراء نقابِ السكونِ.

وبينَ "هنا" و"هناك"، رحلةٌ ما بين الليلِ والنهارِ.

أما ذلك النجمُ، فإنّ ضوءَه قادمٌ، يهتفُ إلينا من بعيدٍ...