البحر
بقلم عبدو بليبل
لَمْلَمَتِ الشَّمْسُ أَذْيَالَها، فَتَخَلَّتْ عَنِ التِّلَالِ وَالرَّوَابِيِ الْبَعِيدَةِ، الَّتِي ٱتَّشَحَتْ بِلَوْنٍ رَمَادِيٍّ بَاهِتٍ.
وَٱقْتَرَبَتْ مِنَ الْبَحْرِ، فَرَسَمَتْ عَلَى سَطْحِهِ لَوْنًا وَرْدِيًّا جَمِيلًا، كَأَنَّهَا تُرِيدُ مُعَانَقَةَ الْمَاءِ، لِتَعِيشَ فِي أَعْمَاقِهِ السَّاكِنَةِ مَدَى الْعُمْرِ.
لَكِنْ صَوْتًا مَا خَرَجَ مِنَ الْقَاعِ، وَكَأَنَّ هَذَا الْبَحْرَ الْعِمْلَاقَ يَقُولُ شَيْئًا، بَعْدَ أَنْ ٱرْتَفَعَتْ أَمْوَاجُهُ، وَتَحَوَّلَتْ مِيَاهُهُ الثَّائِرَةُ إِلَى فُقَاعَاتٍ بَيْضَاءَ، كُلَّمَا ٱرْتَطَمَتْ بِالصُّخُورِ الْعَالِيَةِ، لِتُبْعَثَ أَمَلًا جَدِيدًا بِالْحَيَاةِ.
فَقَالَ:
ــ أَيَّتُهَا الشَّمْسُ الْحَبِيبَةُ، هَذَا الْمَسَاءُ يَقْتَرِبُ، لِيَجْمَعَ بَيْنَنَا بِلِقَاءٍ عَظِيمٍ، فَيَبْسُطَ وِشَاحَهُ الْأَسْوَدَ فَوْقَ الْقِمَمِ وَالْقُرَى النَّائِيَةِ.
وَهَذَا الْحُبُّ يَأْتِي نَحْوَنَا بِشَغَفٍ، فَلْنُلَاقِهِ بِالتَّحِيَّاتِ وَالِاحْتِرَامِ.
أُرْجُوكِ أَيَّتُهَا الشَّمْسُ الْعَظِيمَةُ، ٱدْخُلِي عَمِيقًا فِي قَلْبِي، وَلَا تَخَافِي أَنْ تَبْتَلِعَكِ الْمِيَاهُ، فَتُطْفِئَ وَهْجَكِ، وَتُزِيلَ مِنَ الْمَدَى نُورَكِ.
ٱقْتَرِبِي قَلِيلًا، وَٱدْخُلِي عَمِيقًا فِي جَسَدِي، فَفِيهِ تَجِدِينَ كُلَّ الْحُبِّ، وَكُلَّ الطَّهَارَةِ وَالصَّفَاءِ.
وَٱتْرُكِي اللَّيْلَ الْقَاتِمَ يَحْمِي هَذَا اللِّقَاءَ الْمَمْزُوجَ بِالْحُبِّ وَالْحَقِيقَةِ.
وَمِنْ ثَمَّ، دَعِي الْمَوْجَ يَرْقُصْ فَرَحًا، فَيَغْسِلَ كُلَّ الْآثَامِ.
ٱقْتَرِبِي، وَلَا تَخَافِي مِنَ الْفَنَاءِ. فَفِي قَلْبِي رَحْمَةٌ لَكِ، وَفِيهِ عَطْفٌ وَمَوَدَّةٌ، وَنَامِي أَيَّتُهَا الشَّمْسُ الْحَبِيبَةُ، فَهَذَا جَسَدِي غِطَاؤُكِ، وَأَنَا حَارِسُكِ.
نَامِي...
فَغَدًا يَنْتَشِرُ وَهْجُكِ فِي الْمَدَى، وَيَمْلَأُ النُّورُ مَحَبَّتَكِ فِي السَّاحَاتِ.
نَامِي...
إِنَّ فِي نَوْمِكِ صَحْوَةَ
حَنَانٍ، وَنُورَ مَحَبَّةٍ.
التعليقات