كان صقران واقفين على صخرة عالية، يتأملان في سكون البرية ويفكران في مستقبلٍ قد يبدو بعيدًا عن الجوع والتعب والركض وراء فرائس سريعة ونادرة.

قال أحدهما للآخر وهو يمدّ جناحيه بتكاسل:

– "ما رأيك يا صاحبي أن نحلم؟ أن نعيش اللحظة؟ فلعلّ الأحلام تغيّر واقعنا البائس وتفتح لنا أبواب النعيم."

أومأ الآخر برأسه كمن يوقّع على معاهدة سلام، وقال:

– "ولِمَ لا؟ ابدأ أنت... ولنرَ إلى أين يأخذنا خيالك."

قال الأول بنبرة شاعرية وكأنه يصف جنة معلّقة:

– "سأختار الجهة اليمنى من المحمية. سأجعلها جنة خضراء، تملؤها الحشائش والأشجار، فتتكاثر الأرانب، وتعدو بسعادة أمام عينيّ، أما السناجب فلتتزاوج وتنجب كما تشاء، فذلك يسعدني كثيرًا، كما تعلم! وسأجعل إلى جانب الأشجار بركة ماء عظيمة، تفيض بالأسماك من كل صنف، وهناك، خلف تلك الصخرة، أُشيّد عُشي فوق الجبل، وأرقب كل شيء من علياء المجد."

قاطعه الآخر متحمسًا:

– "حسنًا، سأختار الجهة اليسرى إذًا! لكن على عكسك تمامًا... سأجعل من تلك الشجرة بيتًا ملكيًا لي، وأجند مجموعة من الصقور الخدم، يجلبون لي الطعام، ويسهرون على راحتي، ويغنّون لي حين أستلقي على الغصن."

قطّب الصقر الأول حاجبيه وقال مهدّدًا:

– "تمهّل! خدمك هؤلاء... من أين سيجلبون الطعام؟ أليس من جهتي؟ أرانبي؟ سناجبي؟ أسماكي؟ هذا يُفسد حلمي كله!"

قال الثاني باستخفاف:

– "وهل هذا يزعجك؟ دعنا نحلم بحرية يا رجل!"

ردّ الأول وقد تلاشت روح الحلم من عينيه:

– "إن أصررت على حلمك هذا، فسأضطر لقتلك."

– "تقتلني؟ لأجل حلم؟"

– "نعم."

ثم انقضّ عليه فجأة، وضربه بمنقاره على عنقه، فقضى عليه فورًا...

ومات.

وبعد لحظات، فتح عينيه لاهثًا.

كان كل شيء يبدو حقيقيًا!

إلى جانبه، كان صديقه مُمددًا والدم يقطر من عنقه!

لقد كان يحلم... لكنه قتل فعلًا!

جُنّ، وبدأ يضرب رأسه بالصخرة بقوة، مرة تلو أخرى، حتى صمت إلى الأبد.

وهكذا، انتهت مغامرة صقرين، لم يحسنا الحلم، فقررا الموت بدلًا من التفاهم.