ذا صباح يوم اثنين هادئ،

علقت على باب مصحة لطبيب مختص في أمراض القلب والشرايين، لافتة تحتوي عرضا نبيلا (التشخيص اليوم مجاني)

شبكت امرأة أربعينية يدها بيد صغيرتها النحيلة التي تبلغ حوالي العشر سنوات، بعد أن التقطت الخبر، غير مبالية لأثر التعب المنصب على كتفيها بعد يوم كامل من خدمة تنظيف أقسام مؤسسة عمومية.وذهبتا بخطى متسارعة، كما تفعل الأرنبات في فصل الربيع متجاهلتان خيوط الشمس الساطعة التي بدأت ترسلها السماء، حتى لا تفوتهما الفرصة الذهبية...

وهما في طريقهما المزهر، بعد أن استوقفتها المشادة الكلامية، بين والد الطفلة، الذي غطت وجهه الكامل ملامح الغضب والاستياء وبائع الخضروات؛ قائلا بصوت ناقم لهذا الأخير:

-- خد هذا البصل وضعه زينة لكروستك حتى يعود لك عقلك، من هذا الذي سيدفع راتبه في حبات البصل، يا مجموعة السارقين...

كان بائع الخضروات يحاول أن يثبت له دليل ارتفاع الأسعار محررا دفترا مطويا من جيبه قبل أن تجر المرأة يد زوجها من بين طوفان البشر، الذي اجتمع، لحضور النقاش الحاد...وهم يرددون بصوت واحد :

_ الله يسامح، الله يسامح

دنت المرأة برأس زوجها قائلة في أذنه:

_ إن الطبيب في شارع السعادة، يشخص اليوم مرضى القلب دون دفع سنتيم

واحد...

فنحل ما انعقد بين حاجبيه وبرزتا عيناه الواسعتان، وارتوى قلبه من البهجة كأن ريحا صرصر عجت في أذناه وأصبح للواقع جمالا أخاذ يلتقي فيه صفو الأفق وطرب الطير المحلق، فعاد لدراجته القديمة، التي أوقفها بالقرب من بائع الخضروات، وجرها غير مبال بالحديث الدائر بين الواقفين. ثم تمايلت أقدامهم نحو المكان المقصود و خلفهما ابنتيهما تمشي بساقيها الصغيران بكل آنفة

وهم في طريقهم المتسارع، رددت الطفلة بصوت طفولي يعج براءة وصفاء بعد أن ضمت بعنفوان أصابع والديها :

_ سيعالج الطبيب قلبي، وسأتخلص من الآلام

كلماتها كانت كوقود يسوق والديها. مهرولين لا يملأ الشارع المزدحم سوى صوت أنفاسهم، كان الباب مفتوحا على مصراعيه، وفتاة في العشرينيات، ترتدي وزرتها البيضاء، تحمل مذكرة خاصة بالمصحة تسجل داخلها كل اسم جديد.

وقفت العائلة الصغيرة وجهد الطريق باد على أبدانهم، و بعد أن حدقوا جميعا في كل الكراسي الأشلاء الممتدة الفارغة، وقاعة الانتظار الخالية من الزوار، ثم اندفع الأبُ قائلا بصوت لاهث :

--- نشكركم، على هذه البادرة، نريد الاستفادة من هذه الخدمة الطيبة جعلها الله في ميزان الحسنات.

في تلك الأثناء، كانت تجهز الفتاة آلتها الفوتوغرافية لالتقاط صور للطفلة بعد أن طلبت منها الوقوف بالقرب من كرسي الطبيب مبتسمة، وأن تعود مرة أخرى جانب والديها بنفس الوضع

قبل أن يلتحق بهم موكب الدراويش لتأخذ لهم صورا بابتسامات مصطنعة كما فعلت مع من سبقهم.

فنظر الجميع في وجه بعضهم البعض، مستغربين لما أرغموا لفعله دون أن ينطقوا بكلمة .