القصة الأولى (نداء الروح )

تقف أمام المرآة تتفحص وجهها .كأنما تري نفسها لأول مرة فتهمس قائلة :هذا شعري وهذا أنفى …..

تتراجع خطوة للوراء وتبتسم ساخرة كأنما تقول أعرف أن هذه أنا .ربما تريد أن ’تذكر نفسها فكل شئ سريع التغير والتبدل .

هذا ما قالته لها المرأة العجوز عندما اصطدمت بها فى الشارع .كانت منكمشة كأنما تحتضنها ضلوعها .ولكن عندما جاءت العين فى العين تغير الشعور بالزمن .فأصبحت اللحظة عمر أحدهم .تستطيع قراءة ذلك من عيونهم .شعرتَ بشئ بدأ يتسلل بداخلها كالنور الذي يرتدي ثياب الظلام .

كأنما هي تلك المرأة العجوز والمرأة العجوز هى . بعض اللحظات كالآلاف السنين . لم تستطع النطق بكلمة واحدة .إلا أن تتسع حدقة العين . فنظرت العجوز وعلى شفتيها ابتسامة مرتعشة لتقول :لا تجزعى في الأحوال سريعة التغير والتبدل ولاتنسي رؤية نفسك في المرآة .اقتربت العجوز منها وأعطتها تفاحة. فغرق الكيس بين ضلوعها .

قالت :ضعيها فى مكان مظلم واتركيها ولا تنخدعي بالأمور وظواهرها فبكاء أشبه بالضحك وضحك أشبه بالبكاء .نموت عندما نعتزل الحياة .فتذبل أجسادنا وتموت أرواحنا نتعرض للموت الأصغر موت بلا نهايه و رحلة بدايتها الذبول ونهايتها إلى المجهول.

هاهى بعض الدموع تنزل من عين العجوز لتعاونها دموع الفتاة .كانت تشرد كثيرا وكأنها غارقة في أحلام لا تنتهى . أحلام تعيد نفسها مرارا وتكرارا ولكنها مختلفة الثوب تتنكر في صورة أشخاص آخرين حتى لا نرفضها . أخذت تسأل نفسها هل حمل القدر لها رسالة على جناحيه أم هى صدفة لا أكثر ؟

امرأة عجوز تصعب عليها الرؤية وفتاة غارقة فى أحلامها . كل منهما في عالمه . جرت على خزانة ملابسها لكى تخرج التفاحة التي دفنتها بين ملابسها . تمد يدها لالتقاطها فتجد الدودو على يدها وفى خزانتها لتصرخ صرخة مكتومة . تنظيم المكان ويدها

وترتدي ملابسها وتذهب إلى الجامعة كمثل أى يوم ولكن تسأل نفسها .

هل كان هذا الظلام الحقيقي الذي كانت تقصده ؟

اليوم من أيام الشتاء الدافئة الذي تقرر فيه أشعة الشمس أن ترفق بحالنا .فتغرف الأرض بأشعتها و تحتضنها كمولود .

أخذت أشعة الشمس تتسلل إلى قلوبنا الباردة .فاتخذت من قلوبنا مركزا لتنطلق منه إلى كل خلية من خلايا أجسادنا .

فتحتضن أفكارنا المتصارعة المبهمة بين أحداث اليوم المعتادة التى تفتقر إلى روح الحياة .الأفعال المتجمدة والابتسامات المرتعشة و خسارات وانتصارات لم تعيش طويلا .

لم تفيق من أفكارها وتساؤلاتها إلا فى آخرة محاضرة . لتلتقط بأذنها الصغيرة التي تختبئ تحت الحجاب لمحاضرة تقول :لا يمكن أن نطلب من العالم أن يتغير إن لم نستطع أن نتغير نحن .

وأول ما وقعت عينيها عليه هو باب الطوارئ فباب كان مختلف عن أي باب فيملك جميع الخصائص إلا أهم خاصية هى استطاعتك للهروب من خلاله وهذا يذكر بما يحدث داخل عقلها . له باب خشبي سهل الفتح ولكن بين الهواء وذرات الأجساد

يوجد باب من الحديد الصدأ فانتشر اللون البرتقالى على أجزاء متفرقة منه. وقفل كبير يصعب كسره والطريقة الأفضل لفتحه هو المفتاح .ولكن أين المفتاح ؟

انتهي اليوم الجامعى وعادت بالأتوبيس السلحفاة الذي لم تجد غيره كان يبدوا وكأنه جاء من عهد آخر .كأنه أراد لها أن تري الحياة أبطأ من كل مرة تعود فيها إلى المنزل . صوت صريخ نتيجة توقف حركة السيارات المفاجئة و المسرعة .

سأل السائق أحد أصحاب السيارات الذي نزل ليكتشف ماذا حدث ؟!

ليجيب :حدث اصطدام بين أقطار الحياة .

لم يفهم السائق معنى ما قاله هذا الرجل ذو المعطف الأسود الكبير . إلا عندما وجده السائرون وراء سيارة للدفن .

فصعد إلي مكانه ليقول هناك سيارة للدفن سننتظر بضع دقائق .

نزلت من الأتوبيس وأخذت تسير وراء السائرون . اقتربت أكثر منهم لتسمع أحدهم يقول :لقد أصبحت تصرفاتها تحمل من الغرابة \إذ كنا نعتقد أنها على حافة الجنون وجاء الموت لإنقاذها .

فاتسم الآخر بسخرية قائلا : كانت توزع التفاح على الناس فى الشارع وتصرخ وتقول لكل واحد تفاحة .

عندما سمعت هذه العبارات المنطلقة في الهواء حبست دموعها وغيرت مسارها لتوقف سيارة أجرة وتسند رأسها وتغمض عينيها لتستيقظ على صوت دقات يد صغيرة مرتعشة على زجاج الشباك .

طفل حافي القدمين متسخ .يحمل شوال ممزق لونه أسود .تحتوي على زجاجات بلاستيك .

ليقول : هل تريدين هذه الزجاجة ؟

هزت رأسها وأعطتها له .