بَقَايَا عُمْر
هُناكَ...
أَمْضِي بَعِيدًا وَحْدِي... أَبْحَثُ عَنْ ذَاتِي وَعَنْ بَعْضِ أَحْلَامِي،
عَنْ حِكَايَةٍ أَبْتَدِئُ بِهَا، أَوْ لَا أَبْتَدِئُ.
فَتَذُوبُ مُخَيِّلَتِي وَتَتَنَاثَرُ فِي الهَوَاءِ،
وَتَذُوبُ حِكَايَتِي فِي رَأْسِي وَفِي أَفْكَارِي، كَمَا الثَّلْجِ فِي نِهَايَاتِ الشِّتَاءِ.
أَهْمِسُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَبْحَثُ مِنْ جَدِيدٍ، عَنْ فَرَحِي وَعَنْ أَجْنِحَتِي،
عَنْ مَاضِي العُمْرِ الَّذِي مَضَى سَرِيعًا مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَطَارَ إِلَى السَّمَاءِ...
طَارَ كَطَائِرٍ غَرِيبٍ، طَارَ وَحَلَّقَ بَعِيدًا عَنِ الأَحْدَاقِ، وَاخْتَفَى وَرَاءَ السُّحُبِ وَالضَّبَابِ.
عُمْرِي بَعْضُهُ بَقِيَ فِي جَسَدِي، كَوَرَقَةٍ تَسْبَحُ، ثُمَّ تَتَمَايَلُ، ثُمَّ تَغْرَقُ فِي الرَّمْلِ وَلُجَجِ الأَعْمَاقِ.
أَبْحَثُ فِي ثَنَايَاهَا، عَنْ بَعْضِ أَمَلٍ، وَعَنْ بَقِيَّةِ حُلْمٍ يُرَاوِدُنِي، يَأْتِي وَيَغِيبُ، مِثْلَ ظُهُورِ الشَّمْسِ مِنْ بَيْنِ الغُيُومِ،
لَعَلَّهَا تُدَفِّئُنِي، وَتُبْعِدُ عَنِّي كُتَلَ الثَّلْجِ، وَأَكْوَامَ الجَلِيدِ...
هُنَاكَ... أَمْضِي بَعِيدًا...
بَقَايَا العُمْرِ، تَنْتَظِرُ عَلَى شَاطِئِ الرَّحِيلِ، جَالِسَةً عَلَى الرِّمَالِ، نَاظِرَةً فِي أَعْمَاقِ البَحْرِ وَزُرْقَةِ المَاءِ.
تَنْتَظِرُ ذَوَبَانَ الشَّمْسِ فِي الغُرُوبِ، وَانْسِكَابَ العَتْمَةِ فِي مِسَاحَةِ القَلْبِ المُرْتَجِفِ وَالخَائِفِ.
هُنَاكَ... فَرَحِي الأَخِيرُ يَنْتَظِرُ.
هُنَاكَ... زَوْبَعَةُ العُمْرِ تُلَمْلِمُ صُوَرَهَا الأَخِيرَةَ وَتَمْضِي.
ثُمَّ تَخْتَفِي كَالأَثِيرِ، مُسَافِرَةً خَلْفَ النُّجُومِ...
بقلم: عَبْدُو بَلِيبِل
التعليقات